جن جنون "السلطان" التركي رجب طيب أردوغان حين نظر شطر البحر المتوسط، وداخله يقين لا يزول بالشك، أن تركيا ذات السواحل الطويلة المترامية الأطراف في البحر المتوسط، صارت دويلة منعزلة في يابسها، لا تستطيع الفكاك إلى البحار المختلفة: الإيجي، والأدرياتيكي، والمتوسط، وعض أصابعه غير مرة، منذ سنوات قليلة، حين أدرك أن مستشاري السوء من جوقته، قد رفضوا تعيين حدود تركيا البحرية مع عدد من دول الجوار لتركيا.
نافل القول أضحى القانون الدولي الناموس الذي يحكم ويضبط العلاقات الدولية، شاء السلطان التركي أم أبى، بل إن السلطان عينه يدفع – بهتانا - بذلك القانون ليبرر طاماته الكبرى، ويدافع عن جرائمه المشهودة، وهنا بات لزاما أن ندلل على أهم المبادئ القانونية للقانون الدولية، والتي قننها ميثاق منظمة الأمم المتحدة.
لا جرم أن توطئة الميثاق الأممي، تذكر وتذكر في الوقت ذاته بإيلاء الأمم المتحدة أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، ولا عجب أن تكون تركيا الدولة الحصرية التي تشعل وطيس الحروب في شرق البحر المتوسط، فلم يعد يقتصر الأمر على سوريا، وليبيا، والصومال، بل امتد الخطر التركي المداهم ليحيق الردى باليونان وقبرص شرقي البحر المتوسط.
لا مرية أن إشارة الميثاق الأممي إلى احترام الدول أعضاء الأمم المتحدة للمعاهدات الدولية والقانون الدولي، كان باعثه ومبتغاه تحقيق السلم والأمن الدوليين والحفاظ عليهما، وكانت تركيا الدولة المارقة في شرق البحر المتوسط التي ضربت عرض الحائط بالمعاهدات الدولية، وفي الصدارة من هذه المعاهدات الدولية، اتفاقية الضمان للجمهورية القبرصية عام 1960، والتي يشترك فيها مع تركيا كل من المملكة المتحدة واليونان، ولكن وعلى حين غرة في عام 1974 أقدمت القوات التركية على العدوان على الجمهورية القبرصية، في انتهاك صارخ للمعاهدة المشار إليها، وتجسد بذلك أفظع صور الانتهاكات لمبدأ قدسية المعاهدات الدولية، ولم يكتفِ الغزو التركي باقتطاع جزء كبير من الإقليم التركي في الشمال، بإنشاء جيب انفصالي انعزالي يدين بالتبعية لربيبته تركيا، بل نشرت تركيا ما يناهز ثلاثين ألفا من جنودها في ذلك الجيب الانفصالي المسمى بجمهورية قبرص التركية.
لا مرية أن الحريق الليبي في البحر والبر لم يشعله "نيرون" آخر غير السلطان الشيطان، الذي صار المقض الأول لمضاجع الدول والشعوب في البحر المتوسط، والشرق الأوسط، فاستطار شره كالنار في الهشيم، واستغل النفعي الميكافيللي "أردوغان" التوادع التركي – الأوربي، فعاث فسادا في جهات المتوسط المختلفة، بعد أن جابهت أوروبا شريعة البحر التي يتبناها السلطان، بمجرد بيانات واستنكارات لتُطيب خاطر اليونان وقبرص وإيطاليا وليبيا.
إن الغشاوة التي رانت على عقول أحفاد أمير البحار العثماني "خير الدين بربروس"، وأغمضت بصرهم وأغلقت بصيرتهم عن الحقيقة الواقعية، والمسلمة القانونية، والجزيرة اليونانية "كريت" تحديدا، سولت للعابثين المستهترين الأتراك الذين لا يستحقون إلا أن يدمغوا بطاعون العصر الأسود، أن يبرموا بليل مع حكومة الوفاق في ليبيا، مذكرة للتفاهم لتحديد مناطق بحرية "دينكوشيتية" بين البلدين.
باختصار غير مخل، فالطامة الكبرى المسماة بمذكرة التفاهم البحرية، لم تخبر بها الجماعة الدولية من قبل، ولم تؤيدها دولة واحدة في العالم، وصرح سفير الولايات المتحدة الأميركية في اليونان منذ فوره في نوفمبر 2019، بأن الدفوع التركية لإبرام اتفاقية غريبة كهذه تعبر عن موقف منعزل في القانون الدولي، ومنطق منهار، وتسبيب فاسد، حيث تنكر تركيا – حصرا – الحقوق السيادية التي أقرها القانون الدولي للجزر.
ولا عجب أن الديدن التركي في ارتكاب الخروقات الفظيعة، واستمراء الثراء على حساب الغير، لم يكن طورا حديثا، بل صار دعامة أساسية من سياسة الدولة التي تبتغي الهيمنة، فثبت يقينا أن الهيمنة تمثل النزعة، والباعث، والمنطلق للسلطان التركي، فقد بدأ غي السلطان في فبراير 2018 ، حين قامت البارجات التركية المسلحة، بطرد حفارة شركة إيني الإيطالية من المياه القبرصية في شرق المتوسط، فخسرت إيني الإيطالية زهاء ثلاثمئة ألف يورو يوميا ولمدة ثلاثة أسابيع، ثم أبحرت سفن التنقيب والاستكشاف التركية في مايو 2019 للتنقيب في المياه القبرصية أيضا، وفي منتصف شهر مايو2020 ، تقدمت شركة النفط التركية بطلبات للحصول على تصريح استكشاف في شرق البحر المتوسط في ليبيا، بناء على اتفاقية موقعة في 27 نوفمبر 2019، مع حكومة السراج، ويكشف كل ما سبق أن تركيا جاهرت بنواياها، وأعلنت مكنون مبتغاها.
آل السلطان على دولته إلا أن تعيد الكرًة ثانية، فبعد الحرب الوحيدة بين أعضاء حلف الناتو، التي أشعلتها أيضا تركيا عام 1974 في قبرص، تجاسرت البارجات التركية في مايو الماضي على التعرض لإحدى السفن الحربية الفرنسية المشاركة في عملية حلف الناتو في البحر المتوسط، والتي تراقب تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، فأعلنت فرنسا الانسحاب المؤقت من عملية الحلف لحين تلقيها الترضية اللازمة من تركيا وفقا لقواعد القانون الدولي.
وقد تصرف البحارة الأتراك أحفاد القرصان "خير الدين بربوس" برعونة وخطل، حين ركبوا مركب الشطط فخرقوا كل ناموس، ودقوا الإسفين والناقوس، في صفوف الحلف العتيد، فبدلا من مساعدة الحليف في مهمته، رافقوا سفن التهريب التركية ذات الأعلام التنزانية، إلى المرافئ الليبية، لتزيد النار اشتعالا في البلد العربي المكروب، بعد أن خلًفت جذوة أخرى في الحلف العتيد، لن تخمدها "خراطيم" الشجب والاستنكار.
صفوة القول، أن الجنون المطبق للسلطان التركي ومستشاري السوء من بطانته، صار ورما خبيثا وبؤرة جائحة، وأن نكوص المجتمع الدولي عن خمد النيران التي ما فتئ يشعلها السلطان التركي خارج تركيا، لن يفضي إلا لشر مستطير، وانفلاق خطير.