مع تسارع الأحداث في الولايات المتحدة منذ مقتل جورج فلويد، وقبل ذلك جدال التعامل مع جائحة كوفيد 19، وبعدهما حرب القناعات بين أتباع المرشحين الرئاسيين ترامب وبايدن، ظهر نمط من النزعات والتصرفات المسيطرة داخل أروقة كبرى شركات الإنترنت والتواصل الاجتماعي.
في تويتر، قرر جاك دورسي ومن معه رصد تغريدات ترامب والبيت الأبيض ووسمها بعلامة المخالفات المعلوماتية، سواء بسبب التجاوز على حقوق الملكية الفكرية أو بحجة إذكاء الخلاف العنصري. في فيسبوك، لم يسارع مارك زوكربيرغ بتقييد الحرية الرقمية لرأس السلطة وإدارته، رغم احتجاج موظفي الشركة على تساهل رئيسها في هذا الشأن، وربما يحدد مساره وفق مؤشرات الرواج. على موقع "ريديت"، انطلقت موجة من شطب حسابات وصفحات اليمين والإبقاء على تلك التي تخص اليسار.
ومؤخراً حدث الأخطر، إذ قام أكثر من 1600 موظف في شركة ألفابيت المالكة لغوغل بالتوقيع على عريضة احتجاجية، مطالبين بوقف بيع البيانات الشخصية والخدمات الأخرى على أجهزة الشرطة. يبدو أن تجاوزات أو جرائم عناصر محدودة من الشرطة ولدت قناعة متطرفة بضرورة نزع أدوات الأفضلية عن قوات الشرطة بشكل عام، والتقت بضغوط الحياة والثقافة والظروف الاستثنائية الراهنة صحياً واقتصادياً وسياسياً، وباتت تهدد طاقة وقدرة الشرطة على مكافحة الجريمة مستقبلاً. وفي أبل، أضيف برنامج مصغر للمساعد الصوتي يستجيب لعبارة "تم توقيفي" فيقوم بتسجيل الحوار الدائر بين السائقين والشرطة عندما يتم إيقافهم على جانب الطريق لمخالفة أو اشتباه.
أعطت كوادر شركات الخدمات الرقمية والتواصل الاجتماعي لنفسها الحق في العبث بمقتضيات مصالح الأمن المجتمعي، والتأليب على المسار السياسي الداخلي دون رويّة أو إنصاف، مع شعور باستحقاق الطرف المضاد لكبت الآراء لمجرد اختلافه في الرأي، وهذا لا شك نابع من الثقة الإدراكية الواهمة نفسها التي جعلت هذه الكوادر الرقمية تتصرف بالتمكين الرقمي المتعاطف مع مدبّري ومغرّري الحركات الثورية في الدول العربية قبل عشر سنوات.
إذاً، فنحن نشهد التقاء الآراء والإمكانيات والإرادات الرقمية والسياسية، مع احتمال فوز الديمقراطيين بالرئاسة، لتشهد الولايات المتحدة نشوة انتصار الليبرالية المتطرفة العائدة لسدتها، وتشهد معها دول المنطقة ومناطق أخرى جولة جديدة من الإملاءات والمؤامرات السياسية، المصحوبة بالتمكين الرقمي لطرف دون آخر، والتعاطف مع الناشط المخرب والعميل المحرض، والتحريض على الشرطي والمواطن المدافع عن وجود ووطن ومكتسبات.