وقد أخذ الإعلام اليساري على عاتقه، مهمة التحريض وقام بها على أكمل وجه، فتحولت المظاهرات إلى أعمال شغب وعنف وسرقات واعتداءات، تم خلالها قتل ضابط أسود بطريقة بشعة، ولم تسلم من ذلك حتى مجسّمات تاريخية لرموز أميركية، لها تاريخ عنصري كان مقبولا في زمنه، لكن المتظاهرين قرّروا أن يحاكموها بمعايير عصرنا، ولم أشهد تحريضا إعلاميا، من منصات إعلام أميركية محترمة كما أشهد اليوم، ويبدو أن وصف ترامب لهذا الإعلام بـ "الإعلام الكاذب" لا يبعد عن الحقيقة كثيرا.

لا شك أن السود في أميركا، عاشوا أوقاتا عصيبة منذ قرون، لكن الأمر اختلف تماما، فبعد إلغاء الرئيس أبراهام لينكولن للرق قبل 160 سنة، عانى السود التفرقة العنصرية، ثم تم إصدار قانون الحقوق المدنية للمساواة، قبل أكثر من خمسين سنة، وأصبحت كل الأعراق في أميركا متساوية في الحقوق، ولم تنته العنصرية، لأنها ببساطة ليست أمرا يمكن إلغاؤه بقرار سياسي، بل قضية اجتماعية معقدة، لها جذور عميقة، وتوجد في كل المجتمعات الإنسانية، وما يعنينا في هذا المقال هو هذا السؤال:

هل الديمقراطيون يخدمون السود، كما تقول بذلك أدبياتهم السياسية؟

نترك الإجابة للتاريخ، الذي يذكر أن الحزب الديمقراطي كان عنصريا بشكل يفوق كل تصوّر، وذلك منذ أن أعلن الرئيس الجمهوري، أبراهام لينكولن، إلغاء الرق عام 1861، حتى وقَّع الرئيس الديمقراطي، ليندون جونسون، قانون المساواة بين الأعراق عام 1964، أي لمدة قرن!

هنا يأتي سؤالان همان:

هل وقَّع الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون، قانون المساواة بين البيض والسود من منطلق إنساني؟

وهل يعني ذلك أن الديمقراطيين قرّروا التكفير عن الذنب من خلال مساندة السود؟

الجواب هو أن معظم المؤرخين يعتقدون أن الحزب الديمقراطي، خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، كان يعاني قلة الناخبين، لذلك قرّروا اصطياد عصفورين بحجر واحد، أي أن يصدروا قانونا ذا طابع إنساني، وفي الوقت ذاته يكسبون أصوات السود في الانتخابات، وهم شريحة مهمة، وهو ما حدث.

ويذكر التاريخ الموثق، أن الرئيس جونسون قال لبعض الساسة الديمقراطيين، الذين اعترضوا على قانون المساواة نصاً: "دعونا نعطي هؤلاء الزنوج شئيا لنضمن أصواتهم في الانتخابات لقرنين مقبلين".

وغني عن القول، إن جونسون ينتمي لريف ولاية تكساس الجنوبية، حيث العنصرية تضرب أطنابها هناك حتى اليوم، كما يؤكد المؤرخون أن جونسون استمر يستخدم لغة دونية ضد السود، حتى بعد توقيعه قانون المساواة.

ولعل تسييس الديمقراطيين، لما يجري حاليا من مظاهرات للسود، يندرج تحت بند استغلال الديمقراطيين للسود، وهناك فرق كبير، بين أن تخدم شريحة من الشعب أو تستخدمها، فكل شيء يشير إلى أن الحزب الديمقراطي كان عنصريا خشنا، ثم أصبح حزبا ناعما، لأسباب سياسية بحتة، فمتى يدرك السود في أميركا ذلك؟!