إنه أمر ممتع أن تتابع مجريات محاكمة الرئيس دونالد ترمب في مجلس الشيوخ، فهذا يمثل تطبيقا عمليا لمادة دستورية، حرص عليها الآباء المؤسسون لأميركا، جورج واشنطن ورفاقه من ساسة العيار الثقيل، مثل المفكر توماس جيفرسون وأليكساندر هاميلتون وجون آدمز.
لكن هذا التطبيق العملي الحالي لمادة دستورية تتيح للشعب، من خلال ممثليه في الكونغرس، محاكمة الرئيس وعزله إن تطلب الأمر، لم تكن لتطرب مؤسسي أميركا، لأنهم عندما حرصوا على كتابتها، كان هدفهم أن يراقب الشعب أداء الرئيس ويعمل على تقويمه وإزاحته إن تطلب الأمر.
لكن ما يحدث حاليا هو حالة انتقام حزبية ضد رئيس فاز رغما عنهم، فلم يتقبلوا الأمر، فأصبحت أولويتهم هي عرقلة عمله والتشويش عليه، منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض، وقد جندت معظم منصات الإعلام نفسها للحرب على ترامب، فأصبح الإعلام الحر ذراعا للديمقراطيين واليسار عموما، بدلا من أن يكون سلطة خامسة تبحث عن الحقيقة بموضوعية ونزاهة.
أتابع الشأن السياسي الأميركي منذ سنوات طويلة، وكنت أحرص دوما على البحث عن الحقيقة، ولم أكن يوما مناصرا لهذا الرئيس أو ذاك، لذا فأنا لا أدافع عن الرئيس ترامب، بل أحاول نقل الحقيقة، كما أراها من خلال متابعة مراكز الدراسات والبحوث الرصينة، وطرح المعلقين، الذين يمثلون شتى الأطياف الآيديولوجية والفكرية.
ومن الواضح أن الديمقراطيين اليوم يرتكبون خطيئة الانحياز بشكل واضح وصريح، ويكفي موقفهم من مقتل قاسم سليماني، الذي تتلطخ يداه بدماء أميركيين، فهم غاضبون لأن ترامب سجل نقطة في رصيده الشعبي، وقيّموا مقتل سليماني من خلال هذا الإطار، وهذا على حساب الأمن القومي ومصالح أميركا العليا.
ولعل هذا الموقف المشين يفسر موقفهم من قضية أوكرانيا، وسرعة تصويتهم على الاتهامات ضده في مجلس النواب، ثم مبالغاتهم الآن، في طرح قضية العزل أمام مجلس الشيوخ.
يقف رأس حربة الديمقراطيين، آدم شيف، أمام مجلس الشيوخ، ويتحدث وكأن ترمب ارتكب الخيانة العظمى، ومثله جيري نادلر، وبقية المدّعين الديمقراطيين. ومع أنهم سرّعوا عملية التصويت على الاتهامات ضد ترامب في مجلس النواب، إلا أن رئيسة المجلس نانسي بيلوسي، احتفظت بالقضية لأسابيع، قبل أن ترسلها لمجلس الشيوخ.
ولا يوجد تفسير لما فعلته بيلوسي، وإن كنت أظن أن هدفها هو إطالة أمد القضية، ليستمر ترامب تحت الضغط، الأمر الذي سيعيق عمله ويشوش عليه، وهذا ما برع فيه الديمقراطيون منذ فوز ترامب بالرئاسة.
وتشبه محاكمة ترامب قضية خصمين لدودين في محكمة جنائية، كل خصم يرى أنه صاحب الحق والمظلوم، ولا أمل في وجود حل وسط بين الطرفين، إذ نحن نشاهد فريقين مختلفين، جمهوريون مقتنعون ببراءة الرئيس ويقفون صفا واحدا خلفه، وديمقراطيون يعتقدون أنه سيئ، لدرجة أنه سيتسبب في سقوط الإمبراطورية الأميركية.
وطالما أن هذا هو الحال، فإن المحاكمة ستنتهي ببراءة ترامب، ولن يحصل الديمقراطيون على أي من أهدافهم، أي عزل الرئيس أو إعاقته عن الفوز بفترة رئاسية ثانية!.