فإنه من الضروري أن تتم مراجعة مشهد الصراع التجاري لمعرفة السلع الأساسية والمتقدمة التي يجب استحداث قطاعات ناشئة لتعمل فيها، وذلك لسببين: الأول هو التحول إلى مصدّر بديل للسلعة موضع الخلاف التجاري بين القطبين الاقتصاديين، والثاني - وربما الأهم- هو تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني من سلعة حيوية واستراتيجية، ليس بمقدور سوق ناشئة أو نامية، توفيرها للاستهلاك المحلي، إذا تحدد سعرها من قبل مستورد أكبر وأكثر سيولة.

بين طموحي التكسب من التصدير البديل، وتحصين الاستهلاك المحلي ضد تقلبات السوق، هناك أيضا فرص لتوقيع اتفاقيات، لنقل التقنية من الدول المبتكرة لها. فعند اندلاع الحرب التجارية حول التقنية، تنشط الأسواق البديلة المستعدة لصنع المكونات الاحتياطية البسيطة والمتقدمة، إذا حالت العقوبات أو أنواع الحظر دون استيرادها من المنتجين الرئيسيين.

وبالتالي يكون البلد ذو السوق الناشئة قد وضع صادراته التقنية موضع البدائل الضرورية، والمهم أن تتقدم دول جادة في المنطقة لتؤسس صناعة ناشئة للأجزاء التقنية. قبل أن يكون الطموح توطين التقنية، لا بد وأن يتم التدريب على رأس العمل في جانب التقنيات المبسطة، لتخرج دول المنطقة من خانة مصدري المواد الخام وبعض المواد التحويلية، وتضع قدمها على أول طريق الإنتاج.

على الصعيد الزراعي، وبالذات ما يخص الأمن الغذائي، أدت تعرفات المحاصيل الأساسية المتبادلة بين أميركا والصين، ودول أخرى مستوردة ومصدرة، إلى كساد نسبي في الطلب على المحاصيل، وتحول المزارعين إلى محاصيل أخرى أوفر ربحاً أو أقل خسارة.

ولو كانت دول المنطقة على مسار أساسي لاستيراد المحاصيل والمنتجات الزراعية المتضررة، لحدثت اضطرابات في أسعار الأغذية الأساسية شعر بها المستهلكون بمستوى ينذر بتضاعف الإنفاق على المؤن الرئيسية أو اختلال الدعم الحكومي لها.

على الصعيد السياسي، فإن غياب دول المنطقة عن الإسهام في صناعة التقنية أو خدماتها، والاكتفاء بمحاصيلها ومنتجاتها، يجعلها عرضة لتقلبات المعروض، أو انقطاعه من مصادره، نظراً للعقوبات أو التكاليف الباهظة، وينتهي الحال إلى أزمة تقنية ونقص غذائي لأي سبب كان. أما تمكنها من الإسهام والاكتفاء، فمن شأنه أن يمنحها رأياً وموقفاً إضافياً على مشهد الجغرافيا الاقتصادية المحركة للجغرافيا السياسية في معظم الأحيان.