يتساءل المراقب للمشهد الإيراني إلى أين تمضي دولة الملالي ونظام الولي الفقيه؟

يمكن القول إن إيران تشهد ربيعا فارسيا غير مرحب به من آيات الله، على خلاف ما أطلق عليه الربيع العربي، ذاك الذي هللوا وكبروا له، وفي يقينهم أن ما جرى في العالم العربي كان ثورة شعوب، أما ما يجري في الداخل الإيراني أمام أعينهم فهو صنيعة عملاء لأنظمة خارجية ومدسوسين على الشعب الإيراني النقي والأبي.

الإنكار لا يفيد، فإيران في أزمة حقيقية أقر بها خامنئي، وبدا واضحا أن الضغط الأقصى الأميركي قد آتى أُكله، الأمر الذي جعل جياع الشعب الإيراني يخرجون إلى الشوارع رفضا لجوع الكرامة قبل جوع البطون، ورفضا لإنفاق ثروة البلاد على الأهداف الثورية المغشوشة خارج الدولة، في حين تفرغ خزائن إيران الدولة الغنية.

أحد الأسئلة المقلقة للناظر إلى المشهد الإيراني: "هل استمرار الضغوطات الاقتصادية والدبلوماسية على  إيران يمكن أن يقود نظاما ثيولوجيا متكلسا إلى تغيير سلوكه وتوجهه، أم أن الأمر سيؤدي به إلى مزيد من العناد، والذي سيقابل في الشارع الإيراني بردود فعل أكثر عنفاً ورفضا، مما يعني أن الدماء سوف تسيل في شوارع  المدن الإيرانية، والقاصي والداني يعلم علم اليقين أن الحرس الثوري وقوات الباسيج أكثر دموية من "سافاك" الشاه رضا بهلوي، والكل يتحدث عن الاستعدادات الجارية للانقضاض على المتظاهرين؟

الجواب في واقع الأمر مقلق للاستقرار في منطقة موسومة بالاضطرابات منذ أربعة عقود من جراء سياسات الملالي وغيرهم، وهنا فإن ثمة رأيين: الأول يرى أنه جيد أن تتحول إيران إلى دولة فاشلة.. لكن ما هي الدولة الفاشلة بداية؟

بحسب التعريفات الأكاديمية المتعارف عليها  تصبح الدولة فاشلة إذا  ظهر عليها عدد من الأعراض أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها. وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، وثالثها عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية.

يبدو واضحا وبديهيا أن إيران قريبة جدا من حدود الدولة الفاشلة، وغير خاف على أحد أنها وطوال أربعين عاما عملت جاهدة بأدواتها وآلياتها كافة على تحويل دول الخليج العربي، عطفا على عدد كبير من الدول العربية في منطقة شمال المتوسط إلى دول فاشلة ولم توفر جهدا في تفكيك وتفتيت نسيجها المجتمعي، الأمر الواضح جليا في انتشار وكلاء الشر الإيرانيين من اليمن إلى العراق ومن سوريا إلى جنوب لبنان وصولاً إلى قطاع غزة، وعليه فإن فشل إيران أفضل كثيرا  من سيناريوهات المواجهة العسكرية معها، وبكل تأكيد تحديد خيار مفضل عن أن تضحي شرطي المنطقة أو دركها  في أي لحظة من اللحظات.

أصحاب التيار المتقدم يراهنون على أن هذا الخيار ربما  يدفع  الإيرانيين للاستفاقة الداخلية، وللتعاطي مع العالم بصورته الحديثة المعاصرة، وأن يُخلّوا وراءهم أفكار النزعات الفارسية والشاهنشاهية التي يدارونها  ويوارونها في مسحة أصولية إسلاموية لا تنطلي على أحد، أو من خلال العزف السيئ على  أوتار الطائفية والمذهبية في المنطقة برمتها.

لكن على  الصعيد المقابل هناك من يذهب إلى أن العقوبات المتصاعدة والعزلة الدولية حول إيران، وهما من ملامح الدولة  الفاشلة، سيؤديان إلى نوع من التغيير المزعج للإيرانيين ولغيرهم ، بمعنى آخر إن نظام الملالي - وإن كان يعاني بقوة الان من الضغوطات والعقوبات القاسية ويجاهد للحفاظ على  دوره في  الرعاية  الحكومية للشعب، سوف يفقد عند نقطة معينة تلك المقدرة أو الرغبة، فمن دون الأموال والسلع والخدمات اللازمة لبقاء إيران على قيد الحياة، ربما سيتهاوى  نظام رجال الدين، وعلى الصعيد المقابل سوف تحتدم أزمات الداخل الإيراني ليجد الملايين من الإيرانيين أنفسهم على قارعة الطرقات وفي صفوف المشردين فاقدي المأوى والهدف الرغبة في الحياة.

يمكن ساعتها أن تكون إيران قنبلة قابلة للانفجار داخليا وخارجيا، وستكون كلمة هؤلاء الأعلى من النخبة وردود أفعالهم هي أسوأ مما يمكن توقعه، إذ إن الغريق لا يخشى البلل.

في هذا السياق يمكن لمسألة تغيير النظام في إيران أن تأتي على  غير ما يرغب الجميع، إذ بدلاً من الانتقال الهادئ والسلس للسلطة، وظهور نظام إن لم يكن صديقاً فعلى الأقل ليس عدواً للغرب ولجيرانه في المنطقة، يمكن أن يشهد الجميع تطورات دموية عنيفة تؤدي إلى نشوء وارتقاء نظام إيراني آخر لديه أسبابه التوتاليتارية للبقاء على  قيد الحياة وإن لم يكن دينياً بالضرورة.

هل تلقي التجربة  العراقية بظلال من المخاوف على ما يجري في الداخل الإيراني اليوم؟

أغلب الظن أن ذلك حدث بالفعل، فما جرى منذ سقوط نظام البعث لم يكن الخيار الأمثل، إذ غاب عن الأعين الأمريكية خاصة سيناريو اليوم الثاني، ولهذا فبعد أكثر من عقد ونصف من الغزو الأميركي تحول العراق إلى أشبه ما يكون بالدولة الفاشلة، والكارثة لا الحادثة أنه بات حاضنة للإرهاب وقد نشأت داعش على أراضيه.

انزلاق إيران في طريق الدولة الفاشلة عند أصحاب هذا الرأي يمكن أن يتسبب في كارثة اجتماعية تتحول إيران بعدها إلى مقاطعات جغرافية متقاتلة ومتناحرة يغيب عنها القانون وتضحي مرتعاً  للجريمة والإرهاب، بعد أن تفقد الجموع رعاية الدولة ويزداد الاعتماد على  الجهود الفردية، وهذه هي أفضل الأجواء لعمل الميليشيات المناطقية.

لن تعدل إيران مسارها في القريب العاجل، تأخذها العزة بالإثم دوما،  لكن الطريق الثالث ربما يكون محاولة أخيرة لإجبارها على  تعديل وضعها الدولي، وذلك من خلال اقتراح مايكل سينغ من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو محاولة تشكيل جبهة دبلوماسية مشتركة مع الأوربيين والآسيويين لحشد الدعم لصفقة نووية وصاروخية جديدة.

إيران بين حجري الرحى الدولة الفاشلة من جهة، والتهور الاستراتيجي الذي يقودها إلى الخيار شمشمون من جهة ثانية ... فانظر ماذا ترى؟