كان جنوب السودان يأمل، عند الانفصال عن دولة الشمال في 2011، أن تسير أوضاع البلاد تجاه الاستقرار بعيدا عن الصراعات الدموية واعتمادا على مقدرات البلاد النفطية والزراعية، لكن الأمور على شكلها الحالي تسير من سيئ إلى أسوأ.

وقد سلط تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الضوء على قصة مأساوية كان بطلها سيمون بورات وزوجته أنجلينا الذين كانا يعيشان بسلام في بلدة يامبيو غربي دولة جنوب السودان. الزوج يعمل في الحقول فيما تبيع زوجته المحصول في السوق. كان فقيران لكنهما سعيدان.

لكن قبل عدة أسابيع أُخبر بورات بوقوع كارثة في منزلهما، فعاد راكضا إليه ولم يصدق ما تراه عينيه: النيران تأكل جسد زوجته أنجلينا، بعد أن اقتحم جنود غاضبون البلدة وأحرقوا منازل فيها.

كانت هذه القصة نبذة مما يمر به عشرات الجنوبيين في ظل الأخطار الثلاثة التي تحيط بالبلاد، و امتداد الحرب الأهلية إلى مناطق جديدة كانت حتى وقت قصير في منأى عن الحرب المستعرة منذ 4 أعوام.

تكرار الوحشية

وتشير الصحيفة إلى أن متمردي جنوب السودان خاضوا صراعا داميا مع الشمال طيلة عقود من أجل نيل الاستقلال والتخلص من "وحشية" اعتداءات الشماليين.

لكن متمردين الجنوب يعيدون اليوم تكرار المشاهد الوحشية قبل الانفصال، فالجنود يقتحمون المدن ويحرقون المنازل والأكواخ ويرتكبون المجازر وينفذون أعمال اغتصاب جماعية، ويهجرون السكان إلى مخيمات اللجوء كما حدث في يامبيو.

وتعد يامبيو موطن قبيلة الزاندي، وهي عاصمة ولاية غرب الاستوائية على الحدود مع جمهورية الكونغو، وهي معروفة بطرقها التراببية الواسعة وأشجار الكابوك، ويطلق عليها اسم الدولة الخضراء كونها سلة الخبز الأساسية في البلاد.

وتغير المشهد في البلدة أخيرا، إذ أصبحت هناك العمارات محترقة والأكواخ مسحوقة، ونصبت فيها خيام للنازحين تماما مثلما حدث في مناطق أخرى في البلاد بسبب اعتداءات القوات الحكومية.

ووجه السكان انتقادات شديدة إلى الحكومة بسبب تصرفها الغريب تجاههم، إذ اتهم بعضهم الحكومة بتدبير حرب عليهم لأسباب قبلية.

وبدأت الحرب الأهلية في جنوب السودان في نهاية 2013 مع حدوث صراع على السلطة بين الرئيس سيلفا كير ونائبه رياك مشار، ثم تحولت إلى صراع عرقي إذ ينتمي سلفا كير إلى قبيلة الدينكا فيما ينتمي مشار إلى قبيلة النوير.

ومع دخولها عامها الرابع، بدأت الحرب تطال فئات عرقية أخرى مثل الزاندي الذين يعيشون في يامبيو، والشلك ،ومورو، والكاكاو، والكوكو .

المجاعة

وباتت الحرب تدمر كل دعامة في الدولة الفتية من إنتاج النفط إلى الزراعة إلى التعليم والمواصلات والأهم وحدة الشعب، إذ قبل ست سنوات عند الإعلان استقلال البلاد كان فئات الشعب العديدة تفتخر بذلك، لكن الفرحة الآن تبددت.

لكن المصيبة الأخطر التي تنتظر السكان: المجاعة، إذ أعلنت الأمم المتحدة المجاعة في بعض أنحاء جنوب السودان في فبراير الماضي.

وألقت الأمم المتحدة باللوم على الحكومة والمتمردين في إعاقة وصول المساعدات إلى السكان لأكثر من مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعا.

الانفصال

ويقول محللون إن الأوضاع في جنوب السودان تتجه إلى وضع مماثل لما يجري في إقليم دافور غربي السودان.

وتشير منظمات حقوقية إلى وجود دلائل عن ارتكاب جرائم حرب في البلاد، وتحدث مسؤولون في الأمم المتحدة عن قلقهم من وجود إبادة جماعية في جنوب السودان تماما مثلما يحصل في إقليم دارفور.

وتدعي حكومة سلفا كير أنها تخمد التمرد وهي الحجة ذاتها التي تستخدمها الحكومة السودانية في دارفور .

ويشير محللون ومسؤولون في الحكومة إلى أن البلاد قد تواجه خطر الانفصال مجددا مثل ذلك الذي حدث عام 2011.