في خطاب حاول فيه الملياردير دونالد ترامب أن يبدو بمظهر الرئيس الأميركي المقبل، المتوازن والحكيم، رسم المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة ملامح سياسته الخارجية، وسعى إلى رفع اللبس عن بعض تصريحاته المتناقضة والمثيرة للجدل.
ترامب ركز في كلمته، التي استغرقت نحو 40 دقيقة، على الاستراتيجيات التي سيعتمدها، إذا استلم مفاتيح البيت الأبيض، وقال إن أمن أميركا هو من سيحدد سياسته الخارجية، بعد تأكيده على فشل واشنطن حتى الآن في بناء رؤية جديدة تناسب التحديات التي يواجهها العالم.
أوباما.. إرث ثقيل
وفي تقييم لسياسات الإدارة الحالية وسابقاتها قال ترامب: "لقد ارتكبنا أخطاء كارثية في العراق وسوريا وليبيا، وأصبحنا نبني دولا ونضعف دولتنا".
كما حمل ترامب إدارة اوباما ومعه وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون مسؤولية تمدد داعش والجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط، موضحا أن كل ما فعلته هذه الإدارة هو السماح لإيران بتوسيع نفوذها، وترك المجال لوصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، وانتشار الجماعات المتطرفة في ليبيا.
داعش.. هو العدو
وانتقد ترامب موقف تلك الإدارة من إسرائيل قائلا إن "نائب الرئيس جو بايدن عاد ووجه اللوم للحكومة الإسرائيلية قبل بضعة أيام، في وقت كان يجب أن يكون فيه عدونا الأول والأبرز هو الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط".
ودعا ترامب إلى التحالف مع كل دول المنطقة لمواجهة التطرف، شرط أن يقوم ذلك على الشفافية وخدمة المصالح المشتركة، إذ يجب على الدول التي تساعدها الولايات المتحدة أن تعترف بذلك كما قال.
وفي لهجة صارمة أضاف المرشح ترامب: "أقول لداعش أيامكم معدودة ولن أخبركم متى وكيف"، ملمحا إلى أن سياسات واشنطن أضحت معروفة وخططها متوقعة من الجميع، وهو ما أفقدها اعتماد سلاح المفاجأة والمناورة.
لا حلفاء.. بالمجان
أما عن حلفاء الولايات المتحدة في الناتو، فقد حذرهم ترامب من أن إدارته ستطلب منهم تقاسم الأعباء والمساهمة ماليا في الجهد العسكري، كما أن واشنطن تملك وسائل الضغط اقتصاديا على الصين لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية.
وختم المرشح الجمهوري المحتمل خطابه بالتأكيد على أن ملفي الهجرة والإرهاب سيشكلان الأولوية في النقاش، الذي سيفتحه مع الجميع مؤكدا: "لن نذهب إلى الخارج للبحث عن أعداء.. نريد أن نجعل من أعداء الأمس أصدقاء، ومن أصدقائنا حلفاء".
ما لم يقله ترامب
خطاب ترامب أغفل الإشارة إلى كل تصريحاته السابقة، التي أثارت جدلا داخليا وخارجيا واسعا، خاصة ما يتعلق بالحدود مع المكسيك ووصفه المهاجرين عبر تلك الحدود بالمجرمين، وكذلك إشارته السابقة إلى منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ودعوته إلى الانسحاب من اتفاق التجارة الحرة، ويبدو أن الهدف تحديدا من هذا الخطاب هو تخفيف اللهجة وارتداء ثوب رئيس مسؤول ودبلوماسي محنك.
وقد تكون كلمته استجابة أيضا لملاحظة وجهتها قيادة الحزب الجمهوري قبل أيام للمرشحين، تطالبهم فيها بعدم التهور والإدلاء بتصريحات متشددة لا تخدم الحزب وأنصاره.
وإذا كانت حملة ترامب قد ردت حينئذ بأن المرشح لا يقبل الإملاءات ولن يغير لهجته، إلا أن خطاب اليوم أثبت العكس، إذا استثنينا طبعا تلك الجملة التي وردت في سياق خطابه، والتي تعكس أسلوبه المتهكم المعتاد، حين قال: "إذا كان هدف أوباما من سياساته هو إضعاف أميركا، فقد حقق نجاحا مبهرا في ذلك".