لم يبدد الاتفاق الإطاري بشأن البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، الاعتقاد المتنامي بأن طهران تعمل على تصنيع سلاح نووي تحت مختلف الظروف، مما يضع منطقة الشرق الأوسط تحت التهديد النووي، وهو ذات التهديد الذي تمثله إسرائيل منذ فترة بعيدة عبر ترسانة نووية متطورة، تحت غطاء من الغموض المصطنع.
وتمثل إيران وإسرائيل، تهديدين منطقيين للأمن في الشرق الأوسط أو بمعنى أدق "أمن الدول العربية"، فالحروب التي انخرطتا فيهم البلدان كانت ضد الدول العربية منذ منتصف القرن الماضي.
وتشير الأحداث الجارية في الشرق الأوسط حاليا، أن العقيدة القتالية الإيرانية موجهة إلى الجيران العرب، فيما يظل شعار "الموت لأميركا والموت لإسرائيل" مجرد لافتة لدغدغة المشاعر المحلية في إطار عمليات الحشد الشعبي الدائم للنظام في طهران.
فإيران كانت طرفا في حرب الخليج الأولى ضد العراق، والتي استمرت ثماني سنوات، وكانت بحسب محللين الدافع الرئيسي في سعي طهران لامتلاك برنامج نووي.
وهي حاليا منخرطة في عمليات عسكرية في سوريا. وهي عنصر دائم في الأزمة السياسية بلبنان عبر حليفها حزب الله، كما ترعى إيران العديد من الميليشيات في العراق وتمدها عبر الحرس الثوري بالأسلحة والتدريب، وكانت في عين الاتهام دائما في إذكاء الفتنة الطائفية في البلد الذي كان عدوا لدودا لها في الثمانينيات.
وتصدرت إيران مجددا مشهدا متأزما آخر ولكن في اليمن، عبر دعم ميليشيات الحوثي المتمردة التي دمرت البنية السياسية والعسكرية لليمن وتحاول الاستيلاء على الشرعية الدستورية هناك.
هذه المعطيات تعطي مبررا واضحا للقلق الإقليمي من امتلاك إيران لسلاح نووي، حيث لن يكون موجها سوى إلى المنافسين الإقليميين لطهران وهم من جيرانها العرب.
استمرار القلق النووي
وبحسب الدبلوماسي الأميركي المخضرم دينيس روس الذي يعمل حاليا مستشارا في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فإنه حتى مع التوصل لاتفاق دائم بين الغرب وإيران، الذي يهدف للحد من قدرات إيران في تخصيب اليورانيوم، ستظل هناك شكوكا قوية في التزام طهران وعدم قيامها بتصنيع سلاح نووي سري بطريقة أو بأخرى.
ويقول روس في مقال له على موقع المعهد إن "إدعاء إدارة الرئيس الأميركي أوباما بأن أي اتفاق يتم التوصل إليه في النهاية سيقطع كافة الطرق التي تسمح لطهران بالوصول إلى سلاح نووي إيراني، هو إدعاء يحمل بالتأكيد في طياته عامل المبالغة".
وأضاف الدبلوماسي الأميركي أنه في "أحسن الأحوال، ستضع الصفقة عوائق فيما يخص مدة الاتفاق ولكنها لن تقدم الكثير بعد ذلك. وفي تلك المرحلة، سيتوجب على الإدارة الأميركية ومن سيخلفها توضيح أنه إذا ما سعت إيران إلى تجاوز العتبة النووية وإنتاج يورانيوم مخصب - أو إعداد الأسلحة النووية - فإن ذلك سيدفع بالولايات المتحدة إلى استخدام القوة".
ويعني كلام روس أن واشنطن والدول الغربية لن يتمكنوا من الاطمئنان بعدم سعي إيران للوصول إلى العتبة النووية في أي مرحلة بعد الاتفاق.
وفي ظل عدم وجود قوة ردع نووية عربية، تصبح العواصم العربية في منطقة الخليج ومصر في مرمى الصواريخ الباليستية الإيرانية القادرة على حمل رؤوس نووية.
وتسعى طهران دائما إلى تطوير صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، مما يعد أحد الأدلة على سعيها لامتلاك السلاح النووي الذي يحتاج وسيلة إيصال بعيدة المدى، وفق أغلب التقديرات الاستراتيجية.
وحتى إسرائيل صاحبة الرؤوس النووية، ومن واقع خبرتها، تعتقد جازمة بأن إيران تطور برنامجا سريا وأن الجهد الغربي لاحتواء المشروع الإيراني لن يفضي إلى شيء سوى منح إيران مزيدا من الوقت لإنتاج قنبلة نووية وبالتالي إطلاق سباق تسلح نووي في المنطقة.
نووي إسرائيل
ومن جهة أخرى، فإن المنطقة العربية واقعة تحت تهديد ثابت متمثل في الترسانة النووية الإسرائيلية التي طورتها الدولة العبرية بمساعدات غربية.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية، تشير التقديرات إلى أن إسرائيل تمتلك حوالي 200 رأس نووي على أقل تقدير.
كما تمتلك صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية سواء عبر إطلاقها من منصات ثابتة أو متحركة متمثلة في غواصات منتشرة في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.
وبالرغم من سياسة "الغموض النووي" التي تنتهجها إسرائيل، فإن هناك جزما بتصنيعها لأسلحة نووية، خاصة بعد التسريبات التي وصلت للصحافة الإنجليزية عام 1986، عبر التقني الإسرائيلي موردخاي فعنونو الذي أفشى معلومات نووية حساسة عن البرنامج الإسرائيلي العسكري.
وإذا نجحت إيران في امتلاك سلاح نووي لتكون القوة النووية الثانية في المنطقة بعد إسرائيل، سيضع ذلك الشرق الأوسط حتما في سباق تسلح نووي، يضيف مزيدا من الاضطرابات في المنطقة التي تعاني من متلازمة عدم الاستقرار.