في ظل التحولات الجيوسياسية الكبرى، تعتزم روسيا وإيران توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة، تحمل دلالات ورسائل متعددة، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

تأتي هذه الخطوة قبل أيام قليلة من تولي الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، منصبه، مما يضيف بعدا استراتيجيًا لهذا التحرك الذي يُنظر إليه على أنه تحدٍّ مباشر لضغوط الغرب المستمرة على كلا البلدين.

رسائل الاتفاقية.. توقيت ومضمون لافت

الاتفاقية المزمع توقيعها تُعد، وفقًا للكاتب والباحث السياسي يفغيني سيدروف، بمثابة إعلان مشترك لموسكو وطهران عن تعزيز التعاون في مواجهة العقوبات والضغوط الغربية.

ويشير سيدروف خلال حديثه للظهيرة على سكاي نيوز عربية إلى أن توقيت الاتفاقية يحمل رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، مفادها أن روسيا وإيران تتجهان نحو تعزيز شراكتهما في ظل محاولات واشنطن للحد من نفوذهما.

الملفات الحساسة على طاولة التعاون

يتناول الاتفاق بين روسيا وإيران مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية، بما في ذلك الأوضاع في سوريا، الملف النووي الإيراني، وقضايا الشرق الأوسط.

ورغم عدم تضمين بند للدفاع المشترك في الاتفاقية – بحسب تصريحات سفير إيران في موسكو – إلا أن العلاقات العسكرية بين البلدين تعد جزءا مهما من هذا التعاون.

موقف إيران.. توجه شرقي متوازن

يرى الباحث في الشؤون الإيرانية مصدق بور أن طهران تسعى من خلال هذا الاتفاق إلى تعزيز توجهها نحو الشرق، كجزء من استراتيجيتها للتكيف مع نظام عالمي متعدد الأقطاب.

مع ذلك، يشير بور إلى أن هذا التوجه لا يعني قطيعة مع الغرب، بل هو محاولة لتحقيق توازن بين المصالح الاقتصادية والجيوسياسية.

بور يوضح أن إيران تدرك أهمية الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي، لكنها تعتمد على شراكتها مع روسيا لتعزيز مكانتها في مواجهة العقوبات الغربية. كما أن العلاقة مع موسكو تُعتبر خيارًا استراتيجيًا، خاصةً مع تزايد الضغوط الأميركية والإسرائيلية.

العقبات والتحديات في مسار الشراكة

على الرغم من الشراكة المتنامية، إلا أن سيدروف يشير إلى وجود خلافات واضحة بين موسكو وطهران، لا سيما في الملف السوري. فقد ظهرت انتقادات داخل إيران بشأن دور روسيا في سوريا، خصوصًا في المراحل الحرجة التي أعقبت التدخل الروسي عام 2015. ورغم هذه التوترات، يؤكد سيدروف أن العلاقات الوثيقة بين البلدين تساعدهما في تجاوز هذه الخلافات لمواجهة تحديات أكبر، مثل التوسع الغربي والعقوبات الاقتصادية.

خطوة قد تقلق الغرب

الاتفاقية، التي تحمل عنوان "الشراكة الاستراتيجية"، تُعتبر خطوة قد تزيد من قلق الغرب، خاصةً في ظل حالة عدم اليقين بشأن إدارة ترامب. سيدروف يوضح أن الموقف الروسي من إيران يتسم بالثبات، حيث تدعم موسكو طهران في المجالات الاقتصادية والسياسية، مع الحفاظ على استقلالية كل ملف على حدة.

من جانبه، يرى مصدق بور أن هذه الشراكة تُظهر سعي إيران لتوسيع تحالفاتها الدولية والإقليمية، لكنها تعتمد في الوقت نفسه على روسيا لتحقيق التوازن في مواجهة التوترات المتصاعدة مع الغرب.

تحالف معقد ومستقبل مفتوح

الاتفاقية المرتقبة بين روسيا وإيران تُعبر عن تحالف متين ولكنه معقد، في ظل تحديات جيوسياسية كبيرة تواجه كلا البلدين. ورغم أن الاتفاق قد يُظهر توجهًا نحو الشرق، إلا أنه يعكس أيضًا رغبة الجانبين في الحفاظ على استقلالية قراراتهما وتعزيز موقعهما على الساحة الدولية.

مع هذا، يبقى السؤال حول مدى قدرة هذا التحالف على الصمود في وجه الضغوط الغربية وتغير الأولويات الإقليمية، خاصة مع دخول الإدارة الأميركية الجديدة، ما يجعل الاتفاقية خطوة أولى في مسار طويل ومليء بالتحديات.