تباينت ردود الفعل بالداخل الإسرائيلي على الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، وتطرق فيه إلى حرب غزة باعتبارها القضية الرئيسية لحديثه الذي استغرق نحو 55 دقيقة.
ففي الوقت الذي أشادت تقارير إعلامية إسرائيلية ونشطاء على مواقع التواصل بخطاب نتنياهو معتبرين إياه أحدث زخما تجاه مواقف بلادهم من الحرب الراهنة، مثّل في المقابل "إحباطًا" لعائلات الرهائن الذين كانوا ينتظرون أن يتطرق رئيس الوزراء لتطورات الصفقة واقتراب الإفراج عن ذويهم.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن نتنياهو "لم يذكر وقف إطلاق النار، ولم يناقش وضع الصفقة التي تتفاوض عليها إسرائيل وحماس منذ أسابيع والتي ترغب إدارة بايدن بشدة في تنفيذها"، بيد أنه اكتفى بالقول إن "الحرب يمكن أن تنتهي إذا استسلمت حماس ونزعت سلاحها وأعادت الرهائن".
في المقابل، اعتبر موقع "أكسيوس" أن نتنياهو حاول استخدام الخطاب لإعادة تأكيد قيادته في إسرائيل، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن أكثر من 70 بالمئة يريدون استقالته، موضحًا أن خطاب نتنياهو جاء في "لحظة حرجة" من المفاوضات حول اتفاق رهينة غزة ووقف إطلاق النار، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بالكاد ذكر هذه القضية.
وقبل وقت قصير من الخطاب، اعترف مكتب نتنياهو بأن رئيس الوزراء ألغى الزيارة التي كانت مخططة للمفاوضين الإسرائيليين إلى قطر يوم الخميس، مرجعًا ذلك إلى نتنياهو يريد مقابلة الرئيس الأميركي بايدن قبل أن يذهب الوفد إلى الدوحة.
رسائل نتنياهو
بدوره، قال المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، إن اصطحاب نتنياهو لمجموعة من أسر المخطوفين ورهينة محررة وعدد من المقاتلين إلى قاعة الكونغرس، والإسهاب في عرض دورهم خلال الحرب، ساهم في تمرير الرسالة حول "وحشية حماس والصراع معها، وضرورة استمرار الحرب لحين تدمير الحركة".
ومع ذلك، أوضح غانور في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن نتنياهو امتنع عن كشف تفاصيل موقفه إزاء صفقة المخطوفين ووقف إطلاق النار، مما آثار غضب أسر المخطوفين، والذين يراودهم الأمل أن موقف رئيس الوزراء قد يتغير غدًا في لقائه مع الرئيس بايدن.
ويجتمع نتنياهو يوم الخميس مع بايدن وهاريس ومن المتوقع أن يضغطا عليه من أجل إحراز تقدم نحو وقف إطلاق النار واتفاق إطلاق سراح الرهائن مع حماس، بعد أسابيع من الحديث عن اتساع هوة الخلافات بينهما.
وعن تبعات خطاب نتنياهو، يرى غانور أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي استعاد بقدر كبير المكانة الشخصية الدولية التي خسرها نتيجة الحرب، كما عزز الروابط الإسرائيلية الأميركية رغم التباين مع الرئيس بايدن، وحدد إيران كعدو مشترك للبلدين، ودعم بصورة ضمنية حملة ترامب، مع رسم جزء من تصوره لمستقبل قطاع غزة".
وشدد على أن نتنياهو أثبت لأنصاره في الليكود بأنه لا يزال شخصية من "الطراز الأول"، وأنه بالرغم من الضغوط الدولية والمشاكل الداخلية، فإنه مُصر على مواجهة التحديات.
انتقاد بشأن "الرهائن"
ويعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان أن الداخل الإسرائيلي "اندهش من إلقاء نتنياهو لخطاب بمثل هذا النوع أمام الشعب الأميركي"، لكنه مع ذلك كانت هناك انتقادات من عائلات المخطوفين وزعيم المعارضة يائير لابيد، الذين اشتكوا من عدم تطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي بتوسع لقضية تحرير الرهائن، ومساعي التوصل لاتفاق يؤمن إعادة الرهائن الـ 120 سواءً الأحياء أو الأموات.
اعتبر لابيد كلمة رئيس الوزراء أمام الكونغرس عبارة عن وصمة "عار"، قائلًا عبر حسابه على منصة إكس: "يا للعار! ساعة كاملة من الخطاب دون أن يقول الجملة الأهم: ستكون هناك صفقة لإعادة المختطفين".
وقال نيسان في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "هذه كانت النقطة الرئيسية التي شهدت انتقاداً بارزًا لخطاب نتنياهو".
كان نتنياهو قال إنه واثق في أن جهود تأمين إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة ستنجح، مضيفًا: "نشارك بنشاط في جهود مكثفة لتأمين إطلاق سراحهم. وأنا واثق من أن هذه الجهود ستنجح".
وأشار نيسان إلى أن "نتنياهو اكتسب بالفعل زخمًا جديدًا بعد إلقائه الخطاب، إذ حظي بمتابعة شعبية كبيرة حتى المنتقدين له، فضلًا عن ظهوره بمظهر الرجل القوي أمام الشعب الأمريكي أيضًا".
ولفت إلى أن نتنياهو حاول في خطابه التحدث إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي وإيجاد قاسم مشترك بينهما، مستهدفًا دفع الإدارة الأميركية لتقديم ما يلزم من مساعدات لإسرائيل لمواصلة حربها على حماس.
ملفان غائبان
بدوره، يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي يوآب شتيرن، أن هناك ملفين رئيسيين غابا عن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس، وهما المفاوضات مع حماس لإطلاق سراح الرهائن، وكذلك المسؤولية عما جرى في السابع من أكتوبر.
وقال شترين لموقع سكاي نيوز عربية، إنه: "بالفعل خيب آمال عائلات المخطوفين، إذ لم يتطرق بالمرة لموضوع الصفقة مع حماس والمفاوضات التي تُجرى حالياً، وهذا مناقض لحديثه عن قبوله للصفقة بشكل فوري، ولكنه بذلك يواصل المماطلة في المفاوضات، وبالتالي لم يحقق توقعات الكثير من الإسرائيليين".
وأضاف: "لم يتطرق أيضًا إلى مسؤولية عما حدث؛ كأنه لم يكن رئيسًا للوزراء في السابع من أكتوبر".
واعتبر المحلل الإسرائيلي أن "نتنياهو لا يستطيع أن يلقي نفس الخطاب داخل إسرائيل، لأن ما هو غائب في حديثه أهم من الحاضر فيه".