سلطت تصريحات نجم في منتخب فرنسا الضوء على قضية حساسة، تتعلق باليمين الفرنسي المتطرف، المرشح لتولي الحكم في البلاد، والمنتخب الوطني، الذي قد ينتهي تألقه مستقبلا على يد ماري لوبان وأتباعها.
هذا النجم هو ماركوس تورام، مهاجم منتخب الديوك، ونجل اللاعب السابق ليليان تورام، الذي اشتهر بنشاطه المناهض للحركات العنصرية في فرنسا.
تورام الابن هاجم الحزب اليميني علنا، وأكد أن جميع عناصر منتخب فرنسا، يؤيدون محاربة اليمين.
ماذا قال تورام؟
تورام قال مؤخرا: "يجب أن نقاتل حتى لا ينتصر حزب التجمع الوطني المنتمي لليمين المتطرف".
وأعرب عن "عدم وجود شك" في أن "كل فرد في المنتخب يشاركني رؤيتي".
أما النجم الأول للمنتخب وأشهر رجل فرنسي حاليا، كيليان مبابي، فأكد بأنه "يتقاسم نفس القيم مع ماركوس"، وأنه "ضد التطرف".
وحذر مبابي: "آمل أن أظل فخورا بارتداء هذا القميص في 7 يوليو (موعد الانتخابات الفرنسية). لا أريد أن أمثل هذا القميص في بلد لا يتوافق مع قيمنا".
وكان الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، قد دعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة، بعد هزيمته أمام حزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر الماضي.
هذا الأمر يعني أن فرنسا قد تكون تحت حكم اليمين المتطرف قريبا، لأول مرة في التاريخ الحديث، مما قد يهدد منظومة المنتخب الفرنسي العريق، الذي يعد من بين أفضل المنتخبات عالميا.
قصة الانقسام
الانقسام الأوضح يتمثل في إن المنتخب الوطني، والحزب اليميني، يمتلكان رؤى مختلفة لجمهورية فرنسا، فالمنتخب يمثل دولة بألوان مختلفة لكنها موحدة، في حين يزعم اليمين بأن مشكلة فرنسا الأولى، هي الهجرة والمهاجرين.
عراب الانقسام.. لوبان الأب
قصة الخلاف بين اليمين والمنتخب، تعود إلى والد زعيمة اليمين المتطرف الحالية مارين لوبان، ومؤسس الحزب اليميني المتطرف، جان ماري لوبان.
في بطولة "يورو 1996"، قبل 28 عاما، قال جان ماري لوبان، زعيم اليمين الفرنسي وقتها، جملته المشهورة: "من غير الطبيعي إحضار لاعبين من الخارج إلى هنا، ثم تسميتهم بممثلي الفريق الفرنسي".
ويعتبر أغلب لاعبي ذلك الجيل في منتخب فرنسا، من مواليد البلاد، ولكن وفقا لوجهة النظر اليمينية المتطرفة التقليدية، لا يمكن لأي شخص من "أصول مهاجرة" أن يصبح فرنسيا حقا.
ووصل الأمر بلوبان الأب إلى وصف الأسطورة زين الدين زيدان بأنه "جزائري ولد في فرنسا"، وهو ما أدخل "زيزو" إلى قلب العاصفة العنصرية، ودفعه لتوجيه تصريحات حادة تجاه اليمين.
ولكن زيدان لم يكن وحده في تلك المواجهة، حيث لطالما دخل عناصر المنتخب الفرنسي، في مواجهات مع اليمين المتطرف، منذ جيل 1998 الذهبي، وحتى اليوم.
الحقبة الثانية.. تأزم الموقف في جنوب إفريقيا
بعد حقبة الجيل الذهبي، تراجع أداء المنتخب الفرنسي، وتكررت الإخفاقات، وهو ما أجج الصراع والانتقاد للمنتخب المليء بالمهاجرين.
جاءت اللحظة الأسوأ خلال كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا، عندما أدى الخلاف بين المدرب ريمون دومينيك والمهاجم نيكولا أنيلكا، وهو مسلم ذو بشرة سمراء، إلى انقسام في غرفة تبديل الملابس على نطاق واسع على أسس عرقية ودينية، وفقا لوول ستريت جورنال.
واشتد الجدل لدرجة أنه عندما عاد المنتخب إلى فرنسا، التقى قائد الفريق تييري هنري شخصيا مع الرئيس نيكولا ساركوزي آنذاك لشرح ما حدث.
في وقت سابق من ذلك الصيف في 2010، أثارت مارين لوبان الجدل عندما صرحت بأنها "لم تتعرف على بلدها خلال الفريق الحالي". وسلطت لوبان الضوء على عدد اللاعبين الذين ولدوا خارج الحدود الفرنسية، أو كانوا أبناء مهاجرين، أو لم يغنوا النشيد الوطني الفرنسي.
وقالت لوبان في ذلك الوقت: "معظم هؤلاء الأشخاص يعتبرون أنفسهم ممثلين لفرنسا لوهلة، عندما يكونون في كأس العالم.. لكن في اليوم التالي، يشعرون وكأنهم ينتمون إلى بلد آخر أو لديهم انتماء آخر في قلوبهم".
المستقبل.. مخاوف من رياح التغيير
اليمين المتطرف لم يسبق له أن حكم فرنسا في التاريخ الحديث، لكنه قريب جدا الآن من تحقيق ذلك.
خطاب لوبان اليوم يعتمد بقوة على مناهضة الهجرة والمهاجرين، وهذا يقف بشكل واضح أمام مصالح "منتخب الديوك"، الذي اعتمد بشكل كبير على أبناء المهاجرين.
من زيدان إلى تييري هنري وكريم بنزيما وكيليان مبابي، غياب المهاجرين يعني ببساطة غياب الإنجاز، والتضييق على المهاجرين في فرنسا، سيعني أن البلاد لن تنجب مواهب بنفس الكثافة السابقة.
ولتوضيح أهمية اللاجئين، ما علينا سوى النظر إلى بطولة كأس أوروبا الحالية المقامة في ألمانيا، والمنتخب الفرنسي المشارك فيها والمرشح للفوز باللقب.
المنتخب الحالي يمتلك 5 لاعبين فقط من أصول فرنسية، من أصل 25 لاعبا في التشكيلة المشاركة في ألمانيا.
وهذا الحال هو نفسه منذ صعود المنتخب الفرنسي لمنصات التتويج نهاية التسعينات، فقد تغير المنتخب الفرنسي كثيرا، إلا أن شيئا واحدا لم يتغير، وهو اعتماد المنتخب بشكل كبير على النجوم أبناء المهاجرين.
وقتها كان النجم الأول زيدان، واليوم هو مبابي، أما لوبان، فتقف في وجه هذه الظاهرة، مكملة لمسيرة والدها الذي أشعل شرارة الصراع في التسعينات.