سجل شهر مايو الجاري لهجة تصاعدية في خطاب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، مما يعزز مواجهة ثنائية بين الرئيسين على "بوابة أوكرانيا".

 بحسب تقديرات خبراء بالشأن الفرنسي والروسي تحدثوا لـ"سكاي نيوز عربية"، يحاول ماكرون تأجيج المواجهة مع بوتين، لتعزيز صورته كقائد مرحلة جديدة في تاريخ التكتل الأوروبي،كما يرجحون أن تستند فرنسا لمخاوف من "تهديدات روسية" للقارة الأوروبية، لتأكيد أحقيتها في التصعيد، متوقعين استمرار التصعيد بين ماكرون وبوتين على المدى القصير.

لكن تلك الحرب الشخصية بين بوتين وماكرون، أو في سياق أكثر شمولا، بين بوتين ودول الغرب، لن تصل لصدام مباشر خاصة وهناك تواصل فرنسي روسي تكرر أكثر من مرة في العلن وخلف الكواليس، قد يسهم في دفع مفاوضات حوّل أزمة أوكرانيا.

من خريطة ماكرون إلى تحذير بوتين

الاحتكاك الأخير حدث الثلاثاء، إذ خرج ماكرون بالتزامن مع مواصلة روسيا تقدمها نحو خاركيف ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، مؤكدا أنه من الضروري السماح لكييف "بتحييد" القواعد العسكرية الروسية التي تطلق منها روسيا الصواريخ.

بوتين لم ينتظر وقتا طويلا للرد، وباليوم ذاته، حذر، دون أن يسمي فرنسا، من نشوب صراع عالمي و"عواقب موافقة دول غربية على استخدام أسلحتها لضرب الأراضي الروسية".

لكن هذا التصعيد لم يكن البداية، إذ لم يستبعد ماكرون في فبراير ومارس الماضيين، إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا في المستقبل، مع تأكيد الرئيس الفرنسي على عدم وجود وفاق غربي على هذه الخطوة حاليا.

ورد مدير المخابرات الروسية، سيرغي ناريشكين، في مارس الماضي، محذرا فرنسا في حال أقدمت على إرسال وحدة عسكرية إلى أوكرانيا، بأن قواتها "ستصبح هدفا مشروعا ذي أولوية"، وفق ما نقلته وكالة "تاس" الروسية وقتها.

ولم تتوقف الكرة طويلا في ملعب ماكرون، إذ عاد وكرر، في 12 مايو الجاري، موقفه بعدم استبعاد إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا بحال اخترقت روسيا "خطوط الجبهة"، وفي حال طلبت كييف ذلك، مما عزز الحرب الكلامية مجددا مع موسكو.

وفي 16 مايو الجاري، صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، بأن المناورات النووية التي أمر بوتين بإجرائها هي رد على تصريحات غربية، منها تصريحات للرئيس الفرنسي، بشأن احتمال إرسال "جنود من الناتو" إلى أوكرانيا.

بيسكوف اعتبر أن هناك "دورة جديدة من تصعيد التوتر"، منددا بـ"الخطاب الخطير للغاية" للرئيس الفرنسي.

وبتوسيع المنظور ليشمل "الغرب"، لم يكن ماكرون اللسان الغربي الوحيد ضد بوتين، إذ دعا أيضا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، مؤخرًا، دول الحلف إلى رفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية في توجيه ضربات إلى أهداف داخل روسيا.

أخبار ذات صلة

شروط بوتين لوقف الحرب.. هل تقبل أوكرانيا والغرب؟
بعد اقتراحه إرسال جنود لأوكرانيا.. سالفيني يهاجم ماكرون

يلعب على الحبال

الأكاديمي والباحث السياسي الفرنسي، بيير لويس ريمون، يرى في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أن ماكرون "يستهدف بتصريحاته تحقيق مكاسب لتعزيز جبهته الداخلية من جهة، ودعم مسعاه لقيادة دبلوماسية أوروبية جديدة من جهة أخرى".

ويعتقد ريمون أن "فرنسا تحاول لعب دور القيادة أوروبيا"، دون أن يستبعد أن تتجه باريس لعقد مؤتمر لحل النزاع الروسي الأوكراني، في إطار هذا الدور أيضا.

ريمون أشار إلى أن ماكرون هو الوحيد الذي واجه بوتين وجها لوجه، لكن "هناك اتصالات على المستوى الدبلوماسي في الكواليس لإبقاء خيط من التواصل بين باريس وموسكو التي تدرك أبعاد ما يفعله الرئيس الفرنسي".

ورجح أن تستمر فرنسا في دعم أوكرانيا، حتى"لا تفقد أوراق قوة في فترة مفاوضات الحل إن عقدت، ولو استمر ذلك على المدى البعيد".

وفي سياق مشابه، يقول رامي القليوبي، الأكاديمي في جامعة موسكو، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، إن "تهديد ماكرون تجاه روسيا يخدم سياساته الداخلية الفرنسية الأوروبية، ورغم هذا التصعيد الكلامي، حضرت فرنسا مراسم تنصيب بوتين في ولايته الجديدة هذا الشهر".

وتوقع استمرار التصريحات المتبادلة بين ماكرون وبوتين، والخطاب الإعلامي المتبادل، دون "أي تصادم محتمل مستقبلا"، لافتا إلى أن "باريس مؤهلة لإيجاد نوع من الحوار مع موسكو".

استعراض خطير

وعلى مسافة قريبة، تقول الأكاديمية والمحللة السياسية جيهان جادو، لـ"سكاي نيوز عربية"، من باريس: "نحن نقترب من الانتخابات الأوروبية ويحاول ماكرون استعراض القوي الفرنسية أمام العالم وخاصة فيما يخص حرب أوكرانيا، كما يسعى لكسب مكاسب أوروبية وداخلية".

وتعتقد أنه بخلاف الغضب الروسي تجاه الرئيس الفرنسي، فإن "سياسية ماكرون تجاه موسكو تعرض باريس لخسائر كبيرة خاصة مطالبته بجيش أوروبي للدفاع عن أوكرانيا، والتي تزيد من احتقان طبقة عريضة من الفرنسيين تخشي من خسائر اقتصادية وتعرض قوتها لخطر أكبر".

استبعاد للصراع

وحول جدية تصريحات ماكرون بالقتال الأوروبي العلني مع روسيا، استبعد ريمون أن تتحرك قوات فرنسية أو غربية لمواجهة روسيا، مرجحا أن "أقصى شيء يمكن أن تفعله فرنسا أو غيرها من الدول الغربية هو الدعم بالسلاح أو تدريب جنود".

والأقرب بحسب المحلل الفرنسي، "ألا يرد بوتين بشكل مباشر على ماكرون في تلك الفترة الحالية، وتستمر الحرب الكلامية دون أن يقطع خيط التواصل الفرنسي الروسي خلف الكواليس".

أما جادو فذهبت في رؤيتها إلى أن العلاقات الروسية الفرنسية "في أسوا حالاتها"، مشيرة إلى أن "الرئيس الروسي لا يرغب في تفتيت قواه في معادلة أكبر مع دول أخرى كفرنسا".

لكنها شددت على أنه "إذا رأى بوتين أي اعتداء من فرنسا سوف يرد ردا عنيفا".

دافع داخلي

وفي رؤية أخرى لدوافع ماكرون، رجح داليبور روهاك، الخبير المتخصص في الشأن الفرنسي، في تصريحات صحفية أن "فرنسا تمر بتحول استراتيجي دائم يحولها إلى لاعب مركزي في أوروبا الشرقية".

لكنه لفت إلى عامل هام في السياسة الداخلية الفرنسية، إذ "خلقت الحرب في أوكرانيا، صدعا داخل السياسة الفرنسية"، مضيفا "يحاول ماكرون استخدام ورقة أوكرانيا وقيادة فرنسا لأوروبا، لإضعاف منافسيه في الداخل".