أثار تنفيذ إيران لتهديدها بالرد على الهجوم الذي طال قنصليتها في سوريا، بضربة جوية مباشرة ضد إسرائيل تعد الأولى من نوعها بين البلدين، تساؤلات بشأن تداعياتها على موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي طالما تعرض لضغوط داخلية وخارجية خلال الأسابيع الماضية، ارتباطًا باستمرار حملته العسكرية على غزة وعدم رضوخه للمطالب الدولية بوقف إطلاق النار.
وسرعان ما تحوّل نتنياهو "المُحاصر" كما أطلق عليها خبراء ومحللون، من الموقف الدائم للانتقادات، إلى موقف التأييد والمساندة، بعدما سارعت العواصم الغربية وخاصة الولايات المتحدة لإعلان دعمها لتل أبيب وإجراءاتها الأمنية ضد الهجوم الإيراني.
وتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن، هاتفياً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي في خضم الهجوم الذي أطلقت عليه طهران اسم "الوعد الصادق"، حيث أكد أن عليه أن "يعتبر هذه الليلة انتصارًا"، بالنظر لكون التقييم الأميركي الحالي هو أن "الهجمات الإيرانية كانت غير ناجحة إلى حد كبير وأظهرت القدرة العسكرية المتفوقة لإسرائيل إلى جانب المساعدة من الولايات المتحدة".
وقال نتنياهو عبر منصة إكس بعد الهجمات الإيرانية: "اعترضنا وتصدينا.. معا سننتصر".
نتنياهو.. يستفيد من الهجوم
ويعتقد محللون إسرائيليون، ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن نتنياهو قد يستفيد سياسياً من الهجوم الإيراني الأخير وخاصة على الصعيد الدولي، إذ سيعيد له الزخم والدعم بعد فترة من الانتقادات، كما سيحاول توظيف واستغلال هذا الهجوم لتحقيق بعض المكاسب السياسية "الشخصية"، ومحاولة توحيد الشارع الإسرائيلي المنقسم، آملًا في ذلك البقاء على رأس السلطة لأطول فترة ممكنة.
ماذا حدث؟
- أطلقت إيران ليل السبت/الأحد، أكثر من 300 مسيرة وصاروخ باتجاه إسرائيل، في أول هجوم مباشر من نوعه تنفذه طهران ضد تل أبيب، ردًا على قصف طال القنصلية الإيرانية في سوريا أسفر عن مقتل قيادات بالحرس الثوري الإيراني، واتهمت إسرائيل بالوقوف خلفه.
- أعلن الجيش الإسرائيلي، اعتراض 99 بالمئة من المُسيرات والصواريخ الإيرانية بواسطة نظام الدفاع الجوي، بمساعدة الولايات المتحدة.
- قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر منصة إكس: "اعترضنا 99% من التهديدات نحو الأراضي الإسرائيلية.. هذا إنجاز استراتيجي مهم جداً"، مشيراً إلى أن إيران استخدمت صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات مسيرة.
- وأفادت تقارير إعلامية إسرائيلية بأنه لم تلحق أضرار تذكر جراء الهجوم الإيراني على إسرائيل، الذي استمر قرابة 5 ساعات، كما قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن "بعض الصواريخ الباليستية (الإيرانية) تسببت بأضرار طفيفة بالبنية التحتية".
- قال بايدن "بناءً على توجيهاتي، ومن أجل دعم الدفاع عن إسرائيل، قام الجيش الأميركي بنقل طائرات ومدمرات للدفاع الصاروخي الباليستي إلى المنطقة على مدار الأسبوع الماضي. وبفضل عمليات الانتشار هذه والمهارة الاستثنائية التي يتمتع بها أفراد جنودنا، ساعدنا إسرائيل في إسقاط جميع الطائرات بدون طيار والصواريخ القادمة تقريبًا".
- لكن مع ذلك، كشف موقع أكسيوس أن الرئيس الأميركي أبلغ نتنياهو أنه سيعارض أي هجوم إسرائيلي مضاد ضد إيران.
- أبدت العديد من الدول قلقها الشديد جراء الهجوم الإيراني على إسرائيل، لكن الدول الغربية واليابان نددت بالهجوم ومن المقرر أن يجتمع قادتها لبحث الهجوم عبر الفيديو.
جرعة تضامن
من القدس، تحدث أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي، مئير مصري، عن تبعات الهجوم الإيراني على موقف نتنياهو، قائلًا إنه سيمنحه مزيدًا من الدعم والمساند على المستوى الخارجي وليس الداخلي، إذ أن "الداخل الإسرائيلي مستاء من إخفاق السابع من أكتوبر ويبدو مصمماً، وفقاً لاستطلاعات الرأي، على التخلص من نتنياهو".
وأشار "مصري" في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أنه "على المستوى الخارجي، فالهجوم الإيراني أثبت مرة أخرى أن إسرائيل في موقع المدافع أمام تحالف يسعى إلى تدميرها وجر المنطقة بأسرها إلى حرب شاملة، لذلك فما حدث الليلة الماضية سوف يساهم بشكل أساسي في التخفيف من عزلة إسرائيل الدولية، ومعها حكومة نتنياهو، وتعطيها جرعة جديدة من التضامن والمساعدات".
كسب التأييد الدولي
وبشأن تأثير الهجمات الإيرانية على الداخل الإسرائيلي، قال المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، إن "الاتجاه سيكون استغلال عودة التعاطف والتأييد الدولي لإعادة ترتيب سلم الأولويات، مع ترك الانفعال جانبًا".
ومع ذلك، لا يعتقد "غانور" في تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الفشل الذريع الذي مُنيت به إيران في مقابل النجاح الإسرائيلي العسكري والسياسي"، لا يؤثران كثيرًا على الخارطة السياسية الإسرائيلية الداخلية، وعلى النظرة المتحفظة تجاه نتنياهو وحكومته.
وأضاف: "الإنجاز يحسب للمؤسسات الأمنية والعسكرية وقادتها رغم فشل السابع من أكتوبر، وليس نتيجة قرارات وتصرفات المستوى السياسي برئاسة نتنياهو، والدليل على ذلك الاحتجاجات الشعبية التي سبقت الهجوم الإيراني بساعات قليلة، والتي طالبت بتبكير موعد الانتخابات".
ولفت المحلل السياسي الإسرائيلي، إلى أن إسرائيل على ما يبدو ستواصل التركيز على ملف غزة وتحرير المخطوفين، بهدف طي هذا الملف قبل الانتقال لمعالجة سائر القضايا الأخرى ومنها رد الفعل على الهجوم الإيراني.
تأثير "الوعد الصادق"
وحدد المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي غسان محمد لموقع "سكاي نيوز عربية"، تأثير العملية الإيرانية على موقف نتنياهو السياسي، في عدد من النقاط قائلًا:
- سيحاول نتنياهو توظيف واستغلال الهجوم الإيراني لتحقيق بعض المكاسب السياسية الشخصية ومحاولة توحيد الشارع الاسرائيلي المنقسم على أمل أن يساعده ذلك على البقاء في السلطة.
- مع ذلك ترى أوساطًا إسرائيلية أن نتنياهو سيرتكب مغامرة خطيرة إذا ما قرر مهاجمة إيران؛ لأن ذلك سيقود إلى حرب اقليمية شاملة قد تضطر إسرائيل لخوضها وحيدة أمام محور المقاومة في المنطقة، وفي هذه الحالة لا يوجد ما يضمن أن تشارك أميركا في الحرب إلى جانب إسرائيل، وقد تكتفي بتقديم الدعم العسكري والسياسي.
- نتنياهو سيكون في وضع صعب للغاية، وقد تدفع إسرائيل ثمنًا باهظًا نتيجة لقرار متهور وحسابات خاطئة.
- حتى في ما يخص مستقبل نتنياهو السياسي، فمن المستبعد أن يكون للهجوم الإيراني نتائج تخدم مصلحة نتنياهو "الداخلية" في ضوء المطالبة بإسقاطه وإسقاط حكومة اليمين المتطرف على اعتبار ذلك مصلحة إسرائيلية وأميركية بالدرجة الأولى.
تداعيات على غزة
وعن تداعيات الهجوم الإيراني على الموقف في غزة، رجح المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي، أن تعيد إسرائيل دراسة خياراتها السياسية والعسكرية والذهاب إلى تسوية سياسية في غزة لتجنب المزيد من الخسائر السياسية والعسكرية.
لكن تل أبيب في الوقت ذاته قد تقوم بعمل عسكري محدود في لبنان أو سوريا قبل التوجه إلى الخيار السياسي، وفق "غسان"، الذي لفت إلى أن الهدف من ذلك هو محاولة توجيه رسالة تقول إنها "اختارت الحل السياسي من موقع قوة".
وأضاف: "التطورات تتوقف على نتائج المشاورات التي تُجرى حالياً بين إسرائيل والولايات المتحدة والتي ستحدد بدقة مسار وتطور الأوضاع في المنطقة بعد الرد الإيراني".