على الرغم من إعلان تنظيم "داعش خراسان"، رسمياً مسؤوليته عن الهجوم الذي أوقع 139 قتيلًا في قاعة للحفلات الموسيقية بموسكو، لا تزال أصوات داخل الإدارة الروسية ومنابر غير رسمية تُلقي بالاتهامات على أوكرانيا بالوقوف وراء التخطيط لتلك العملية في خضم الحرب الدائرة بينهما منذ فبراير 2022.
آخر تلك الاتهامات، ما ذكره الأمين العام لمجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، بأن أوكرانيا تقف وراء هجوم "كروكوس"، إذ قال ردا على سؤال عما إذا كانت كييف أو تنظيم داعش، يقف وراء الاعتداء: "بالطبع أوكرانيا".
وجاءت حديث "باتروشيف" الذي تحدث صراحة عن دور أوكراني في الهجوم، متزامنًا مع إشارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن الهجوم نفذه متشددين إسلاميين، لكنه يصب في صالح أوكرانيا وأن كييف ربما لعبت دورًا في تنفيذه.
وتحدث مراقبون ومحللون سياسيون روس في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، عن الأسباب التي دفعت أصوات رسمية وغير رسمية في روسيا إلى الإصرار اتهام كييف بالوقوف وراء الهجوم الأكثر دموية في البلاد منذ عقود، معتبرين أن ذلك يأتي استنادًا إلى تحقيقاتها الأولية التي كشفت محاولة المتهمين الفرار إلى داخل الأراضي الأوكرانية، فضلًا عن التصريحات السابقة لمسؤولين أوكرانيين توعدت بتنفيذ عمليات نوعية داخل روسيا.
اتهام روسي.. ونفي أوكراني
- بعد يوم من هجوم موسكو الذي وجهت فيه السلطات الروسية أصابع الاتهام إلى كييف وتوعدتها بالرد، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها شنت ضربات موسعة وعالية الدقة بالصواريخ في أوكرانيا.
- أكد بوتين أن روسيا تعرف هوية مرتكبي هجوم "كروكوس"، ولكنها مهتمة بمعرفة الجهة التي أمرت بتنفيذه.
- وبعد الحادث مباشرة، قال الرئيس الروسي إنه "تم العثور على جميع الجناة المنفذين المباشرين للهجوم الإرهابي... وحاولوا الاختباء متجهين نحو أوكرانيا".
- ولفت بوتين إلى اعتقال 11 شخصا منهم أربعة مسلحين، مضيفا "حاولوا الاختباء والتوجه صوب أوكرانيا حيث، وفقا لبيانات أولية، كانت ثمة نافذة مجهزة لهم على الجانب الأوكراني لعبور حدود الدولة".
- من جانبها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن الولايات المتحدة تحاول إنقاذ أوكرانيا من التورط في الهجوم الدموي بموسكو، من خلال إلصاق التهمة بتنظيم "داعش" المحظور في بلادها، لافتة إلى عددٍ من العوامل التي تشير "بشكل مباشر وغير مباشر" إلى تورط السلطات الأمريكية في ما وصفته بـ"رعاية الإرهاب الأوكراني".
- * وأضافت المتحدثة باسم الخارجية الروسية في مقال لصحيفة كومسومولسكايا برافدا الروسية، إن "المهندسين السياسيين الأمريكيين حاصروا أنفسهم بحكاياتهم بأن هجوم كروكوس نفذته جماعة داعش الإرهابية، ومن هنا تستخدم الولايات المتحدة "فزاعة" تنظيم "داعش" لتغطي على أفعالها في كييف"، متابعة: "سؤال للبيت الأبيض: هل أنت متأكد من أنه تنظيم "داعش"؟ هل يمكنك التفكير في الأمر مرة أخرى؟".
- كما اتهم نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، كييف بالوقوف وراء الحادث، قائلًا عبر قناته على تطبيق تيليغرام إنه "يجب العثور على إرهابيي نظام كييف والقضاء عليهم ، بما في ذلك المسؤولين، إذا اتضح أنهم كانوا وراء الهجوم الإرهابي في قاعة مدينة كروكوس في موسكو".
- بجانب ذلك، تجنب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، التعليق على بيان داعش بشأن تبينها الهجوم الإرهابي، مشددًا على أنه لن يعلق قبل اكتمال التحقيقات التي تجريها السلطات الرسمية، مضيفا: "التحقيقات جارية. لم تصدر بعد رواية متماسكة. نتحدث فقط عن بيانات أولية".
- في المقابل، استنكر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، محاولة "بوتين ومساعديه" إلقاء اللوم على أوكرانيا في هجوم موسكو، معتبرًا في حديث مصور عبر حسابه على موقع "إكس" أن هذه الاتهامات الروسية تأتي "لإلقاء اللوم على الآخرين".
رواية روسيا
بدوره، قال مدير أبحاث مجلس الشؤون الدولية الروسي، أندريه كورتونوف، إن رد الفعل الدولي على الهجوم الإرهابي في موسكو كان متوقعا إلى حد ما، معتبرًا أنه "من المهم للغرب أن يلقي كل اللوم على تنظيم داعش من أجل إزالة أي أسئلة محتملة حول الأصابع المحتملة لأوكرانيا في الجريمة".
وأضاف "كورتونوف"، أنه "إذا لم يتم تقديم أدلة قوية لا يمكن دحضها على تورط كييف في الجريمة، فإن رواية "داعش فعلت ذلك" المفضلة لدى وسائل الإعلام الغربية ستستمر في الغلبة".
ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن مصدر في "الخدمات الخاصة" قوله، إن الأجهزة الخاصة الروسية تلقت بالفعل معلومات من الولايات المتحدة بشأن مؤامرة إرهابية، بيد أن "تلك المعلومات كانت ذات طبيعة عامة دون أي تفاصيل محددة".
ومن موسكو، يقول الباحث والخبير الروسي في العلاقات الدولية تيمور دويدار، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن وجهة النظر لدى الإدارة الروسية في الشق الأمني تعتبر أن المتهمين في الحادث له صلة بمجموعات في أوكرانيا سواءً رسمية أو غير رسمية، إذ إن خطة المجموعة المنفذة للهجوم كانت تتضمن انسحابًا تجاه الأراضي الأوكرانية للفرار من ملاحقة رجال الأمن الروس.
وأضاف دويدار أن "الجانب الأوكراني جهز للمتهمين مخرجا آمنا من روسيا نحو كييف خاصة أن المسافة ليست بعيدة والتي لا تتجاوز 600 كم من موقع الهجوم إلى داخل الأراضي الأوكرانية، وبالتالي فهذا الاستنتاج أدى لاتهام أوكرانيا بالعبث في الأمن الروسي، ومن ثم فإن تلك الرواية تقتنع بها الدوائر الرسمية وغير الرسمية".
"خدمات تباع وتشترى"
وينظر الخبير الروسي في العلاقات الدولية، إلى أنه على الرغم من إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث، إلا أن الكثير من الأصوات الروسية تنظر لهذه الجماعة بأن "خدماتها تُباع وتشترى، وقد يكون هناك أيادٍ أوكرانية وراء دفعهم لتنفيذ هذه العملية" وفق قوله.
وبشأن التداعيات المحتملة جراء مثل هذا الاتهام لأوكرانيا، قال دويدار إن "أي ضرر بروسيا سيكون له تبعات موجهة ضد أوكرانيا والغرب، وستتمثل تلك التداعيات في زيادة التصعيد على الأراضي الأوكرانية، والتأثير على مسار التفاوض لإنهاء هذه الحرب".
5 أسباب للاتهام الروسي
بدوره، يرى الباحث والمختص في الشأن الروسي سمير أيوب في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه على المستوى الروسي لم تقطع موسكو يقيناً بمشاركة كييف في التخطيط الهجوم الدموي الذي وقع قبل يومين، لكن معظم المسؤولين الروس بما فيهم نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف وجه تحذيراً بأنه إذا ما ثبت تورط أوكرانيا في هذه العملية، فإن الرد الروسي سيكون "حازمًا وقوياً".
وحدد "أيوب" عدداً من الأسباب التي تقف وراء الاتهامات الروسية لأوكرانيا بالضلوع في هذه العملية، تشمل:
- من وجهة النظر الروسية، فالإشارات لا تأتي من فراغ لأن هناك العديد من الوقائع على الأرض التي تلمح إلى إمكانية مشاركة أوكرانيا في هذه العملية إن يكن على المستوى الرسمي، فقد يكن بعض المجموعات المتطرفة الأوكرانية ساهمت وساعدت منفذي الهجوم.
- المخابرات الأوكرانية لديها القدرة الكاملة على تجنيد العديد من العملاء الذين قد يكونون في داعش أو أي منظمات أخرى وقد يكونون من المواطنين الروس الذي يطلق عليه الفيلق الأجنبي الذي يتواجد على الأراضي الأوكرانية حالياً ومن بينهم إرهابيين من جورجيا ودول آسيا الوسطى.
- منفذو العملية الإجرامية اتجهوا مباشرة إلى مقاطعة قريبة من الحدود الأوكرانية ويبدو أنه كانت لديهم معلومات بإمكانهم التوجه إلى داخل أوكرانيا.
- طريقة تنفيذ العملية لا تشبه الطرق التي تنفذ بها داعش عملياتها التي تكون انتحارية بالأساس، خاصة أن عمليات عناصر داعش غالبا ما تنتهي إما بقتل أو انتحار المنفذين مع وجود أحزمة ناسفة معهم، تجنباً للحصول على معلومات منهم حال سقوطهم في قبضة الأجهزة الأمنية.
- طبقاً للمعلومات الأولية فإن من جنّد منفذي العملية من خارج روسيا، لكنهم لم يذكروا أي جهات أو منظمات حتى الآن، بل نفذوا ذلك مقابل مبلغ من المال، وهذا قد ينطبق على المخابرات الأوكرانية.
- كما أنه خلال الفترة الماضية كانت هناك دعوات من أوكرانيا بالهجوم على المواطنين الروس، ومنهم رئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريل بودانوف الذي قال صراحة إنه يجب قتل المواطنين الروس أينما وجدوا سواء داخل روسيا أو خارجها وتوعد بتنفيذ ذلك، وهذا يشير إلى أن الأجهزة الأمنية في أوكرانيا قد تكون عملت على تسهيل تلك العمليات.
- سرعة إلصاق تهمة تنفيذ العملية إلى تنظيم داعش بدلا من أوكرانيا، حتى قبل الإعلان الرسمي من جانب تنظيم داعش خراسان.
رد "قاسٍ"
وشدد الباحث المختص في الشأن الروسي على أنه حال تأكدت روسيا بعد التحقيق مع المتهمين من ضلوع أوكرانيا في الهجوم سيكون لها "رد قاسٍ".
وأشار إلى أن الرئيس الروسي بوتين أكد أنه ستتم معاقبة كل من له علاقة بهذه العملية بغض النظر عن الطرف الذي قام بها أو مكان تواجده.
وبيّن "أيوب" أن الرد قد يتمثل في إعلان تغيير إستراتيجية العمليات العسكرية بأوكرانيا من كونها عملية خاصة إلى إعلان حرب على الإرهاب، بما قد يتضمن إعلان أن نظام كييف هو "نظام إرهابي" يجب معاقبته، وبالتالي يتضمن ذلك عمليات عسكرية أوسع.
ووفق الباحث السياسي، فيمكن كذلك توجيه ضربات دقيقة داخل الأراضي الأوكرانية، ومحاولة اغتيال لقادة كبار في أوكرانيا حسب علاقتهم بهذه العملية، متابعا: "لذلك نرى الخوف الغربي من رد فعل روسي والتمسك باتهام داعش بأنها نفذت العملية، لكن في تقديري فروسيا تنتظر نتائج التحقيق الرسمية مع المتهمين وبناء على ذلك ستقوم بالرد المناسب".