أثار الهجوم الذي تبناه تنظيم "داعش خراسان" وأودى بحياة 137 شخصا في قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو، مخاوف غربية واسعة من موجة جديدة من العمليات الإرهابية التي تطل برأسها داخل القارة العجوز، وسط سعي لتشديد الإجراءات الأمنية، وتنشيط أجهزة الاستخبارات لجهودها في ردع تلك الخطط.
تلك المخاوف عبّر عنها صراحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال إن جماعة "داعش خراسان" التي تقف وراء إطلاق النار في موسكو حاولت أيضا ارتكاب عدة أفعال في فرنسا في الآونة الأخيرة.
وعلى وقع ذلك، قررت السلطات الفرنسية رفع مستوى التأهب الأمني إلى القصوى كإجراء احترازي، في الوقت الذي قال رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال إن باريس رفعت تحذيرها من "الإرهاب" إلى أعلى مستوياته "في ضوء إعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن هجوم موسكو والتهديدات التي تلقي بظلالها على بلادنا".
وحدد خبيران متخصصان في العلاقات الدولية وشؤون مكافحة الإرهاب، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أسباب تهديد "داعش خراسان" لأوروبا، ومدى نجاح دولها في إحباطها في مراحل التخطيط لها قبل التنفيذ الفعلي، في الوقت الذي يعتقد مراقبون أن فرنسا تأتي في مقدمة الدول الأوروبية التي يستهدفها التنظيم، ولذلك لجأت إلى رفع مستوى التأهب الأمني.
ماذا يحدث في أوروبا؟
- اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن تنظيم "داعش خراسان"، الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم موسكو، وقبل ذلك في عمليات بأفغانستان وباكستان وإيران، وضع نصب عينيه مهاجمة أهداف في أوروبا وخارجها.
- وسّع تنظيم "داعش خراسان" من عملياته في السنوات الأخيرة، مع شن ضربات عبر الحدود داخل باكستان وعدد متزايد من المحاولات في قلب أوروبا، حيث جرى إحباط معظم تلك الهجمات قبل وقوعها، مما دفع المخابرات الغربية إلى تقييم أن المجموعة ربما تكون قد وصلت إلى الحدود المميتة لقدراتها.
- وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن متخصصين في مكافحة الإرهاب أعربوا عن قلقهم من أن الهجمات في موسكو وإيران قد تشجع تنظيم "داعش-خراسان" على مضاعفة جهوده لضرب أوروبا، خاصة في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا ودول أخرى تعرضت لهجمات متقطعة خلال العقد الماضي.
- في يوليو الماضي، نسقت ألمانيا وهولندا اعتقالات استهدفت 7 أفراد من الطاجيك والتركمان والقرغيز المرتبطين بشبكة داعش-خراسان الذين يشتبه في تخطيطهم لهجمات في ألمانيا.
- كما ألقي القبض أيضا على 3 رجال في ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، بسبب خطط لمهاجمة كاتدرائية كولونيا ليلة رأس السنة الجديدة 2023، مع مداهمات أسفرت عن 3 اعتقالات أخرى في النمسا، وواحد في ألمانيا يوم 24 ديسمبر الماضي للاشتباه في دعمهم لـ"داعش خراسان".
- في حين، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، أفريل هاينز، أمام لجنة بمجلس الشيوخ الأميركي هذا الشهر "إن التهديد الذي يشكله داعش، لا يزال مصدر قلق كبير في مجال مكافحة الإرهاب"، مضيفة أن معظم الهجمات "التي نفذها داعش على مستوى العالم حدثت بالفعل من قبل مجموعات من داعش خارج أفغانستان".
- وبالتزامن مع تلك التصريحات، قال رئيس القيادة المركزية للجيش الأميركي، الجنرال مايكل كوريلا، أمام لجنة بمجلس النواب، إن تنظيم داعش-خراسان "يحتفظ بالقدرة والإرادة لمهاجمة المصالح الأميركية والغربية في الخارج في أقل من 6 أشهر دون سابق إنذار".
فرنسا في المقدمة
من باريس، يقول المحلل الفرنسي المتخصص في العلاقات الحكومية والشؤون الدولية، فرانك فارنيل، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه جرى إصدار تحذير واضح بشأن التهديد المتزايد داخل فرنسا وربما في جميع أنحاء أوروبا من الأنشطة الإرهابية من قِبل داعش خراسان، في ضوء تحذير الرئيس ماكرون من هجمات محتملة، ورفع مستوى التأهب الأمني داخل البلاد.
وأوضح "فارنيل" أن الاعتراف الصريح بالمؤامرات الإرهابية التي جرى إحباطها عبر الدول الأوروبية يؤكد الخطر الشديد والمستمر الذي تشكله هذه الجماعات المتطرفة، إذ يُظهر الاتجاه الأخير للهجمات والخطط التي تم إحباطها في جميع أنحاء أوروبا بشكل لا لبس فيه أن الخطر من منظمات مثل "داعش خراسان" مباشر ومتطور.
ووفق المحلل الفرنسي المتخصص في الشؤون الدولية، فإن توظيف الأفراد المتطرفين محليا من قِبل هذه الجماعات، كما يتضح من حوادث مختلفة بما في ذلك مقتل سائح ألماني في هجوم بسكين نفذه رجل فرنسي في ديسمبر الماضي، يدل على تحول استراتيجي نحو استخدام عناصر محلية لتنفيذ عمليات إرهابية.
وأضاف: "علاوة على ذلك، فإن سلسلة التهديدات والاعتداءات في الدول المجاورة، بما في ذلك الأحداث المنسقة في 19 مارس الجاري، في ألمانيا، إلى جانب حوادث أخرى في النمسا والأحداث المتكررة في ألمانيا وهولندا، تؤكد أن هذا التهديد ليس مقتصرا عن فرنسا وحدها، ولكنه يمتد عبر القارة الأوروبية بأكملها".
خطر الألعاب الأولمبية
وشدد "فارنيل" على أن دورة الألعاب الأولمبية الوشيكة في باريس تمثل هدفا بارزا بشكل خاص للكيانات الإرهابية التي تهدف إلى الظهور على نطاق واسع.
ويتفق مع هذا الطرح، المسؤول السابق عن مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، والذي يعمل مستشارا لمشروع مكافحة التطرف، إدموند فيتون براون، والذي أبدى قلقه البالغ بشأن دورة الألعاب الأولمبية في باريس، قائلًا إنها "ستكون هدفا إرهابياً ممتازًا".
وعاد المحلل الفرنسي للقول إن التدابير الأمنية الحالية والاستجابات الحكومية تشير في جوهرها إلى موقف قوي ضد الإرهاب، مما يؤكد خطورة هذه التهديدات، ففي الوقت الذي تقف فيه أوروبا في منعطف حرج تواجه مستوى مرتفعا من التهديد، تصبح ضرورة اليقظة التي لا تتزعزع والاستعداد الشامل أمرا بالغ الأهمية لإحباط المساعي الإرهابية المستقبلية وضمان سلامة مواطنيها.
وأكد أن تهديد الجماعات الإرهابية وفي القلب منها "داعش خراسان" يتجاوز الحدود الوطنية، مما يستلزم استراتيجية أمنية تشمل الاعتبارات المحلية والدولية على حد سواء لحماية المصالح الفرنسية والأوروبية أينما كانت، وعلى الرغم من الاتجاه نحو هجمات منعزلة من جانب جهات فاعلة منفردة، فإن احتمال وقوع ضرر جسيم من هؤلاء الأفراد لا يزال يشكل مصدر قلق بالغ.
وتتطلب معالجة طموحات داعش العالمية بشكل فعال من الدول الأوروبية تعزيز قدراتها على التكيف استجابة لتكتيكات الإرهاب المتطورة، ويستتبع ذلك وضع إطار أمني شامل وذكي وقادر على التصدي ليس للخلايا الإرهابية المنظمة فحسب، بل أيضا على تحييد التهديدات الانفرادية، بحسب "فارنيل".
لماذا يستهدف "داعش" أوروبا؟
حدد الباحث المتخصص في الحركات الجهادية المسلحة ومكافحة الإرهاب، أحمد سلطان، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، الأسباب التي تقف وراء سعي تنظيم داعش، وخاصة فرعه "داعش-خراسان"، إلى توسيع نطاق هجماته في أوروبا، بعدد من النقاط قائلًا إنَّ:
- تهديد تنظيم داعش لم ينته من الأساس، لكن الفترة الأخيرة شهدت نشاطًا عملياتياً، إذ كان هناك توجيه من قيادة التنظيم المركزية بعد تولي أبو حفص الهاشمي إمارة التنظيم العام الماضي، بزيادة وتكثيف العمليات في مناطق النشاط التقليدية خاصة في سوريا والعراق والقارة الأفريقية مع تركيز مجموعة داعش خراسان على استهداف الدول الخارجية وتوظيف الخلايا والشبكات التي جندتها في تنفيذ هجمات ضد المصالح الغربية.
- تنظيم داعش لا تزال لديه شبكات موجودة في أوروبا، لكنه يلجأ إلى الحفاظ على هذه الشبكات لأنها تلعب دورًا كبيرًا في مسألة الدعم اللوجيستي والتمويل.
- هناك مرحلة جديدة بالتنسيق مع بين قيادة التنظيم وفرعه "داعش خراسان"، حيث جرى تجنيد العديد من الخلايا التي تلقت تدريبات وتوجيهات بتنفيذ هجمات في دول بعينها مثل روسيا ودول أوروبية.
- شهدنا بالفعل في الفترة الماضية إحباط الكثير من العمليات التي خطط لها التنظيم في الدول الأوروبية، لكن ما زال هناك خطر قائم لتنفيذ هجمات أخرى، لأن داعش في النهاية يعتمد على خلايا صغيرة العدد وغالباً لا تكون متصلة ببعضها البعض ولا يتم الكشف عنها دفعة واحدة، وكذلك فهناك مخاوف من هجمات تعرف باسم "الذئاب المنفردة"، وهي أصعب في كشفها وإحباطها.
- فرنسا تأتي على رأس الدول المهددة بتنفيذ هجمات إرهابية من تنظيم داعش خراسان، وفيما يتعلق بطموحات التنظيم الدولية، فداعش يسعى لإثبات وجوده مع قائده الجديد، وبالتالي فوتيرة زيادة الهجمات لا تزال مطروحة وتثير مخاوف واسعة.
- أخيرًا، ما زال خطر تنظيم داعش قائماً، حيث يمر بحالة انتعاش عملياتية وهناك تحذيرات من الاستخبارات الغربية بأن التنظيمات الإرهابية تسعى لتنفيذ هجمات غير نمطية مستقبلًا.