ارتفعت وتيرة الأنشطة الإرهابية في أفريقيا بشكل ملحوظ خلال الأشهر الاثني عشر الماضية وشكلت ما يقرب من نصف الأعمال الإرهابية في جميع أنحاء العالم؛ وذلك وفقا لمنظمة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة.
وأظهرت إحصائيات نشرها مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية - مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية - سقوط قرابة 4 آلاف شخص في أفريقيا خلال 2023 بسبب الهجمات الإرهابية؛ بزيادة بلغت نحو 19 في المئة مقارنة بالعام 2022؛ حيث ارتفع العدد الكلي من 19 ألف إلى 23 ألف شخص.
وبحسب المركز فقد ارتفعت الوفيات الناجمة عن العنف المتشدد في أفريقيا خلال العام الماضي بشكل كبير لتصل إلى "مستوى قياسي من العنف المميت."
وتشهد دول منطقة الساحل في غرب أفريقيا وعدد من البلدان الواقعة شرق القارة تزايدا مخيفا في أنشطة الجماعات الإرهابية التي نمت وتطورت وانقسمت وأعادت تشكيل نفسها. وأدت الهجمات المتواصلة التي تشنها تلك الجماعات إلى زعزعة الاستقرار في الصومال وبوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا.
جهود ضائعة
تأتي هذه النتائج المفزعة على الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي وعدد من بلدان العالم الأخرى لتطويق الظاهرة.
وسعت تلك البلدان لعقود من الزمن لتوفير مليارات الدولارات في شكل مساعدات أمنية وتدريب الآلاف من الأفراد العسكريين الأفارقة، وإنشاء العشرات من القواعد وإرسال قوات الكوماندوز الخاصة بها في مجموعة واسعة من المهام.
ولعقود من الزمن، تركزت جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في أفريقيا على جبهتين رئيسيتين: الصومال ومنطقة الساحل في غرب أفريقيا؛ لكن كلا منهما شهد ارتفاعا كبيرا في معدلات أنشطة الإرهاب خلال العام الماضي.
منطقة الساحل
بالنسبة لمنطقة الساحل فقد ارتفعت الوفيات بنحو ثلاثة أضعاف عن المستويات التي سجلت في عام 2020. وبلغت الوفيات في منطقة الساحل 50 بالمائة من جميع الوفيات المرتبطة بالمتشددين المبلغ عنها في القارة في عام 2023.
وقال المركز "قوضت الانقلابات العسكرية التي وقعت في عدد من بلدان المنطقة الأهداف والجهود الساعية لتوفير الاستقرار والأمن".
وقال الحقوقي والسياسي المالي محمدو ديالا لموقع سكاي نيوز عربية إن الزيادة الكبيرة في الأنشطة الإرهابية في بلدان المنطقة تعود إلى الضعف الأمني وانتشار الأسلحة.
لكن إيدو أغيبو؛ استاذ العلوم السياسية في جامعة بنين النيجيرية؛ يلقي باللوم على عدم وجود استراتيجيات فاعلة لمكافحة الإرهاب وغياب الاطر التي تزود القوات الأمنية بالمعلومات الاستخباراتية التي تحدد طبيعة الجماعات الإرهابية ومصادر تسليحها وتمويلها.
وينشط في المنطقة عدد من الجماعات الارهابية أبرزها بوكو حرام التي تأسست في شمال نيجيريا في عام 2003. كما تنشط أيضا جماعة "الثخراوي" التي تشكلت في 2014 كجماعة إرهابية بزعامة عبد المجيد الصحراوي وأعلنت ولاءها لتنظبم داعش في بلاد الشام.
وبدأ التنظيم نشاطه بشن عمليات انتحارية ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد في شمال مالي؛ ومن ثم وسع عملياته لتشمل عدد من المناطق في بوركينا فاسو والنيجر. وبعد دخول القوات الدولية واشتداد الضغط العسكري عليه؛ لجأت المجموعة إلى الاستعانة بمقاتلين من مجموعات متشددة أخرى مثل بوكو حرام وغيرها.
وهنالك أيضا جماعة "النصرة" التي تكونت في مالي في العام 2017 وضمت تحالفا من عدد من الإرهابيين الذين ينتمون لتنظيمات وحركات مسلحة مختلفة أعلنوا تجمعهم واندماجهم في هيكل واحد؛ ومبايعتهم لأيمن الظواهري؛ زعيم تنظيم القاعدة آنذاك. وتقول الجماعة التي تنشط في مالي والنيجر ودول مجاورة أخرى إنها تريد ان تكون قوة مهيمنة أمام التأثير المتزايد لتنظيم داعش في المنطقة.
ويربط مراقبون بين الزيادة الأخيرة في الهجمات الإرهابية في بلدان غرب أفريقيا وخروج القوات الفرنسية من تلك البلدان في العام الماضي. وقبل خروجها القسري من مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ كانت فرنسا تحتفظ بنحو 8 آلاف جندي في البلدان الثلاثة لمساعدتها في مكافحة الإرهاب.
وشكك الصحفي جلي سار في إمكانية ملء الفراغ الأمني الذي خلفته فرنسا؛ وأوضح لموقع سكاي نيوز عربية "عندما قررت البلدان الغرب أفريقية التخلص من الوجود العسكري الفرنسي؛ كانت تخطط للاعتماد على حلفائها الجدد مثل روسيا؛ لكن مجموعة فاغنر الروسية واجهت مشكلات كبيرة خلال الفترة الأخيرة".
دوامة الصومال
بعد مرور أكثر من 20 عامًا من بدء مهمتها في الصومال العام 2004، لا تزال القوات الأميركية تقوم بعمليات مكافحة الإرهاب هناك، خاصة ضد حركة الشباب المتشددة. ولتحقيق هذه الغاية، قدمت واشنطن مليارات الدولارات كمساعدات لمكافحة الإرهاب، وفقًا لتقرير عام 2023 الصادر عن مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون. كما نفذ الأميركيون أكثر من 280 غارة جوية وغارات كوماندوز هناك وأنشأوا العديد من الوحدات العسكرية للقيام بعمليات عسكرية منخفضة المستوى.
وشهد الصومال، وفقًا للمركز "زيادة بنسبة 22% في الوفيات في عام 2023 – ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 7643 حالة وفاة."
وكانت الأطراف الدولية المشاركة في عمليات حفظ الأمن في الصومال قد كشفت في نهاية العام الماضي عن استراتيجيات جديدة تركز على القواعد البحرية وتدريب القوات الصومالية والاهتمام بحلحلة المعضلات السياسية والاقتصادية باعتبارها مدخلا لضمان الاستقرار الأمني في هذا البلد الشرق أفريقي الذي عاش عقودا طويلة من الاضطراب الأمني والاقتصادي.
لكن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعا بمعدل 70 في المئة في حدة هجمات حركة الشباب على الأهداف المدنية والحكومية؛ بحسب ما سجله المرصد الدولي لبيانات النزاعات المسلحة.
خلفيات
- يعزو خبراء تزايد الهجمات الإرهابية في أفريقيا وسقوط نحو 20 في المئة من الأطفال في دائرة الجهل إلى الانفجار السكاني المتسارع الذي تشهده القارة التي أنجب سكانها 34 مليون طفل خلال 2024 لتستحوذ على 25 في المئة من مجمل الزيادة السكانية في العالم خلال الفترة المذكورة والبالغة نحو 140 مليونا بحسب مؤسسة "وورلد بوبيوليشن" المتخصصة في متابعة إحصاءات السكان في العالم.
- تغيرت طبيعة وتكتيكات الجماعات الإرهابية في المنطقة بشكل كبير؛ فبعد أن كانت تأخذ في بدايتها طابعا تكفبريا محدودا؛ بدأت تتوسع بشكل لافت حيث ولدت مجموعات جديدة؛ واندمجت أخرى مع بعضها البعض بما في ذلك مجموعات تضم لصوصا وقطاع طرق توكل لهم مهمة زيادة الدعم المالي.
- تشكل الهجمات الإرهابية عبئا أمنيا وماليا كبيرا على البلدان الأفريقية الغارقة أصلا في عدد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الكبيرة؛ الناجمة عن التغير المناخي والتدهور الاقتصادي المربع؛ إضافة إلى معاناة أكثر من 30 في المئة من السكان من انعدام الأمن الغذائي الذي تفاقم بفعل الحرب في أوكرانيا.