رفعت إسرائيل من مستوى عمليات حروب الظل الاستخباراتية ضد إيران، بتنفيذ هجمات سرية طالت خطي أنابيب رئيسيين للغاز الطبيعي ما عطل تدفقه داخل 5 محافظات يقطنها ملايين، وعدت طهران تلك العملية بأنها "إرهابية لإثارة الاستياء الداخلي".
هذه العمليات نفذتها إسرائيل الأسبوع الماضي، وفق تقرير كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، نقلا عن مسؤولين غربيين وخبير استراتيجي عسكري تابع للحرس الثوري الإيراني.
الهجمات على خطوط الأنابيب الإيرانية في نطاق محافظات هامة، ومنها فارس، عطلت حوالي 15 بالمائة من إنتاج الغاز الطبيعي اليومي في إيران، بحسب تقديرات غير رسمية، في هجمات تعد بحسب مراقبين نادرة خاصة وهي مست بنية تحتية حيوية في إيران.
والجمعة، قال وزير النفط الإيراني جواد أوجي لوسائل إعلام محلية: "كانت خطة العدو تعطيل تدفق الغاز بشكل كامل في الشتاء إلى العديد من المدن والمقاطعات الرئيسية في بلادنا بهدف الإضرار بالبنية التحتية للطاقة في إيران وإثارة الاستياء الداخلي،".
وتلك الهجمات عدها محللان تحدثت إليهما "سكاي نيوز عربية"، تصعيدا خطيرا بحروب الظل في الداخل الإيراني وقد تتمد آثارها للمنطقة بشكل كبير، مع حرص إسرائيل على توسيع اضطرابات الإيرانيين والتطورات الإقليمية للتغطية على إخفاقاتها في ظل حرب غزة المستعرة منذ 7 أكتوبر الماضي دون إنهاء تل أبيب أزمة الرهائن.
وتمثل الضربات "تحولا لافتا"، في حروب ظل متبادلة تشنها إسرائيل وإيران منذ سنوات جوا وبرا وبحرا وسيبرانيا.
وعادة ما استهدفت إسرائيل مواقع عسكرية ونووية في إيران، ونفذت عمليات لاغتيال علماء وخبراء نوويين داخل البلاد وخارجها، كما شنت أيضا هجمات إلكترونية لتعطيل الخوادم التابعة لوزارة النفط، مما تسبب في اضطرابات بمحطات الوقود في أنحاء إيران.
تصعيد كبير
الدكتور أوميد شكري، الخبير الاستراتيجي في مجال الطاقة والمقيم في واشنطن وأستاذ زائر في العلوم السياسية بجامعة جورج ميسون قال في حديث مع "سكاي نيوز عربيه":
- انخرطت إيران وإسرائيل منذ فترة طويلة في حروب ظل وبالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث يستهدف كل جانب مصالح الطرف الآخر من خلال وسائل مختلفة، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية، ودعم الميليشيات والعمليات الاستخباراتية.
- الهجمات المباشرة على البنية التحتية، مثل خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، تمثل مرحلة أكثر علنية وربما زعزعة للاستقرار في هذا الصراع. وإذا تم تأكيدها، فإن الضربات التي شنتها إسرائيل على البنية التحتية الحيوية للطاقة في عمق الأراضي الإيرانية تمثل تصعيدًا كبيرًا في صراع الظل بينهما.
- بينما اقتصرت الإجراءات الإسرائيلية السابقة على الهجمات السيبرانية أو الضربات ضد وكلاء إيران، فإن استهداف خطوط أنابيب الغاز الطبيعي يشير إلى استعداد إسرائيل للتأثير بشكل مباشر على المصالح الاقتصادية الحيوية لإيران داخل حدودها، مما يزيد من المخاطر بشكل كبير.
- تريد إسرائيل بهذه الهجمات السرية الأخيرة على البنية التحتية الإيرانية تأكيد ها على القيام بعمليات هجومية في عمق المجال الجوي الإيراني، وتجاوز دفاعاتها الجوية، وهذا يمثل تصعيدًا كبيرًا في حرب الظل الطويلة الأمد بين البلدين.
- التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد طهران ينبع من عدة عوامل أبرزه ما يراه صناع السياسة الإسرائيليون من إيران ضعيفة ومعزولة بسبب الضغوط المختلفة، لاسيما جراء العقوبات الأميركية بجانب الاضطرابات الداخلية.
- استهداف إسرائيل المتزايد لأهداف إيرانية يعمل على تحويل حرب الظل إلى صراع أكثر مباشرة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الصراعات المستمرة مع وكلاء إيران، مثل حماس وحزب الله، في زيادة التوترات.
- الرد الإيراني، قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد ويثير مخاوف من تصعيد الحرب بالوكالة، أو زيادة انتشار القوات في المنطقة
- ستسعى إيران إلى تجنب الصراع المباشر و تظل مستعدة للرد إذا تم استفزازها، مما يسلط الضوء على سيولة الوضع بالمنطقة وتعقيده.
استراتيجية نقل الصراع
د. محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي، لتحليل السياسيات الإيرانية، يستعرض في حديث لـ "سكاي نيوز عربية"، هذا التطور اللافت في حروب الظل بين إسرائيل وإيران بالقول:
- حروب الظل بين إيران وإسرائيل، باتت حربا شبه مباشرة ومستعرة وليست حربا باردة، عبر تنفيذ إسرائيل عمليات في قلب إيران ضمن ما يعرف باستراتيجية نقل الصراع.
- إيران دأبت بعد بعد 2011 على نقل ساحات الصراع لخارج حدودها؛ لأسباب منها تأمين النظام، وشغل الرأي العام الداخلي بمغامرات سياسية ولعب أدوار جيوستراتيجية تفوق طموحها الاستراتيجي والإقليمي.
- إسرائيل لجأت للاستراتيجية الإيرانية ذاتها بشكل ثابت لمحاولة دفع إيران للتقهقر والعودة للوراء، ولكن عبر نقل ساحات الصراع إلى الداخل الإيراني.
- بدأت إسرائيل في إطار حروب الظل عمليات مباشرة منذ عدة سنوات، مثل اغتيال العالم النووي الأشهر، محسن فخري زاده (في نوفمبر 2020)، وتفجيرات كرمان (في يناير الماضي) الذي راح ضحيتها تقريبا نحو 100 ضحية في ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، واغتيال القائد أبو محمد المصري (أغسطس 2020) وسرقة الأرشيف النووي الإيراني من قلب طهران (يناير 2018).
- الرد الإيراني على إسرائيل عادة ليس في داخل تل أبيب، ولكن في ساحة صراعات أخرى ليست إسرائيلية بما في ذلك مقرات استخباراتية في أربيل (في يناير الماضي) وبعض القواعد والأميركية مثل في ما حدث في الأردن (يناير الماضي) أو سوريا والعراق.
- المستوى الآن ليس عمليات تخربيبة فقط، ولكن تطور وتصاعد إلى حرب شبه مباشرة بين إسرائيل وإيران وأتصور رد طهران سيكون كالمعتاد بعيدا عن تل أبيب، ويستخدم ساحات الصراع السابقة، ويضاف لها الهجمات السيبرانية التي لها خبرة فيها واستخدمت سابقا ضد إسرائيل.
وبشأن توقعاته لمستقبل تلك العمليات بين إسرائيل وإيران وتأثيرها في ضوء هذا التحول الإسرائيلي اللافت، يتوقع عبد النور:
- توسع دائرة هذه العمليات والاستمرار على وتيرة أسرع لأن إسرائيل حاليا لديها رؤية للهروب للأمام والتغطية على إخفاقاتها بغزة، خاصة وهي في ورطة في القطاع ولا تعرف متى تنهي حربها أو تخرج بأرباح سياسية في ملف الأسرى والمحتجزين.
- تأثير هذه العمليات سيؤدى إلى زيادة الفجوة بين المجتمع الإيراني والنظام الذي سيراه غير قادر على حماية إيران.
- تلك العمليات ستعطي مبررا ومصوغا أكبر لدى النظام الايراني للتوسع والتمدد إقليميا وإقناع الرأي العام الداخلي أنه يخوض حربا ضد إسرائيل في أراضي غير إسرائيلية حتى يؤمن الداخل كما هي الاسترايتيجية الإيرانية منذ مجيء النظام في 1979 والتي تتوسع فيها منذ سنوات.
مواجهات لا حروب
فيما يرى الأكاديمي، سعيد صادق، أستاذ دراسات السلام في الجامعة المصرية اليابانية، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية " أن حروب الظل بين إسرائيل وإيران في ظل التصعيد الأخير لن تصل إلى حروب مباشرة ويوضح ذلك بالقول:
- الحروب في المنطقة إما حروب مباشرة أو حروب بالوكالة أو حروب ظل استخباراتية، ومنذ سنوات طويلة إيران وإسرائيل ينتهجان سياسية المواجهات عبر حروب الظل ولن يصلوا لحروب مباشرة.
- إسرائيل اخترقت الداخل الإيراني، وواصلت التفجيرات وقتل رموز، بينما إيران، استخدمت الدول المحيطة وأذرع بالمنطقة كالحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وجماعات في العراق في استهداف تل أبيب وواشنطن.
- ستستمر تلك المواجهات لأن بقاء النظام الإيراني، مرتبط بخطاب محاربة إسرائيل وأميركا، واستمرار جعله جزء من عقيدة الإيرانيين عبر خطاب الموت لواشنطن وتل أبيب.
- عادة حروب الظل تكون تمهيد لحروب، لكن في حالة إيران وإسرائيل، مهما كان التصعيد بينهما فهذا مستبعد، لأن إيران بلد ضخمة جغرافيا ومسيطرة على مضيق هرمز الملاحي، ولديها دعم صيني روسي، وهذا لا يجعل واشنطن أو تل أبيب ترغبان في خوض حرب كهذا حاليا، وهما حاليا في أزمة بالبحر الأحمر بسبب تصعيد الحوثيين الذراع الإيراني.
- إسرائيل أيضا ستستمر في محاولات التصعيد دون توقف؛ لتأكيد أن إيران ضعيفة وللرد العملي على دعمها عملية 7 أكتوبر الماضي في غزة، وهذا التصعيد سيستمر لاسيما عبر إيرانيين بالداخل، خاصة وهناك ملايين بالداخل والخارج معارضيين للنظام ولا يريدون بقاءه.
- إيران أيضا سترد على عمليات تفجير خطي غاز الأنابيب بعمليات عبر أذرعها حزب الله أو الحوثيين أو المتواجدين في العراق، وسنستمر في تلك الحلقة المفرغة من المواجهات دون تجاوز هذا الخط لحرب مباشرة.