أثارت الضربات المتبادلة بين باكستان وإيران، مخاوف إقليمية ودولية جديدة من فتح جبهة جديدة للصراع في خضم الاضطرابات المتزايدة التي اجتاحت الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في غزة، وسط تساؤلات بشأن التداعيات المستقبلية.
وتصاعدت التوترات بين إيران وباكستان بعد تبادل الهجمات في عمق البلدين، حيث استهدفت إيران بهجوم صاروخي تنظيم جيش العدل في باكستان، بينما ردت باكستان ضربات استهدفت إقليم سيستان وبلوشستان الإيراني، ما أوقع حصيلة قتلى بالمنطقة الحدودية في إيران من 7 إلى 9 أشخاص، وفق الإعلام الرسمي في طهران.
ويعتقد محللون ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن ضربات إيران أثارت مخاوف المجتمع الدولي حيث يتعين على باكستان الآن إعادة حساب علاقاتها بالفعل مع طهران، ومع استمرار تصاعد التوترات، لا تزال هناك فرص لتفاقم التصعيد بما يؤثر على الاستقرار الإقليمي.
ماذا حدث؟
- ذكرت باكستان، الخميس، أنها "نفّذت هذا الصباح سلسلة ضربات عسكريّة منسّقة جدا ودقيقة ضدّ ملاذات إرهابيّة في محافظة سيستان بلوشستان الإيرانيّة".
- أفاد الجيش الباكستاني في بيان بملابسات الضربات، أن قواته نجحت في ضرب مخابئ في إيران تستخدمها منظمات "إرهابية" لا سيما جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان، مشيرا إلى أن إسلام آباد التزمت أقصى درجات الحذر خلال الضربات في إيران لتجنب وقوع أضرار جانبية.
- في حين، شنت إيران ضربات صاروخية على ثلاث دول مختلفة هذا الأسبوع "العراق وسوريا وباكستان"، حيث دمرت طهران قاعدتين لتنظيم جيش العدل، وهي جماعة مقرها باكستان تبنت هجوما في ديسمبر أسفر عن مقتل قوات أمن إيرانية.
- بحسب تقارير عربية، تمثل الغارات الجوية التي وقعت هذا الأسبوع بين إيران وباكستان تصعيدا كبيرا في العلاقات المشحونة بين الجارتين.
- بالتزامن، بدأ الجيش الإيراني، الخميس، تدريبات سنوية للدفاع الجوي تمتد من ميناء تشابهار بالقرب من باكستان في الشرق، على طول الطريق عبر البلاد إلى حدودها مع العراق في الغرب، حيث تشمل إطلاق النار الحي من الطائرات، والدرونز، وأنظمة الدفاع الجوي.
- لا يمكن استبعاد شن إيران وباكستان ضربات جديدة رغم أن هجمات هذا الأسبوع تثير تساؤلات حول مدى استعداد جيشيهما خاصة أنظمة الرادار والدفاع الجوي.
- بالنسبة لباكستان، تعتبر مثل هذه الأنظمة حاسمة بالنظر إلى توتراتها المستمرة منخفضة المستوى مع منافستها المسلحة نوويا، الهند.
رسائل لواشنطن وحلفائها
تعتقد مديرة مركز الأمن والاستراتيجية وبحوث السياسات في جامعة لاهور الباكستانية، ربيعة أختار، أن المواجهة الصاروخية الإيرانية الباكستانية "تضع الدبلوماسية على المحك"، في حين دفعت الضربة الصاروخية الأخيرة التي شنتها باكستان ضد الأهداف الإيرانية ردا على الغارات الجوية الإيرانية في بلوشستان "التوترات طويلة الأمد بين البلدين إلى المقدمة".
وأوضحت أختار، أنه من الضروري فهم الدافع وراء الضربات الإيرانية في باكستان وتداعياتها المحتملة، إذ لا ينبغي اعتبار تصرفات طهران الخاطئة مجرد انتقام ضد جيش العدل بهدف إثارة رد فعل من باكستان، وبدلا من ذلك، ينبغي النظر إليها على أنها تهدف إلى إظهار القدرة العسكرية الإيرانية وإرسال رسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما، حيث تشير إلى استعدادها لمواجهة "أي عدوان خارجي".
ولفتت إلى أن ضربات الصواريخ الباليستية الإيرانية في العراق وسوريا وباكستان تسلط الضوء أيضًا على قدرة إيران على إبراز قوتها خارج حدودها، في الوقت الذي يمكن أن يكون لها تداعيات كبيرة على الأمن الإقليمي.
وأضافت أن "هناك صورة أكبر تظهر في الشرق الأوسط لتدخل إيراني عميق على جميع الجبهات، إذ يشكل دعم إيران للحوثيين مصدر قلق للكثيرين، لأنه يمثل تحديا للاستقرار الإقليمي وأمن الممرات الملاحية الرئيسية، علاوة على ذلك، ساهم دعم طهران للجماعات التي تساندها في خلق شعور أوسع بانعدام الأمن في المنطقة".
ومع ذلك، أشارت مديرة مركز الأمن والاستراتيجية وبحوث السياسات في جامعة لاهور، إلى أنه على الرغم من محاولات إيران لإظهار قوتها، إلا أن تصرفاتها أثارت مخاوف المجتمع الدولي حيث يتعين على باكستان الآن إعادة حساب علاقاتها بالفعل مع طهران، ومع استمرار تصاعد التوترات، من الأهمية بمكان أن تشارك جميع الأطراف في الحوار وتسعى إلى إيجاد حلول دبلوماسية لمنع المزيد من التصعيد وضمان الاستقرار الإقليمي.
هل تتصاعد المواجهة؟
يعتقد الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي بواشنطن، مارك كاتس، أنه "من غير المرجح أن تؤدي الضربات الإيرانية والباكستانية إلى تصعيد كبير".
وقال كاتس إنه كان هناك ميل في وسائل الإعلام إلى النظر إلى الهجمات المتبادلة بين إيران وباكستان على أنها مرتبطة بطريقة ما بالصراع بين إسرائيل وحماس، لكن الأمر ليس كذلك، كما أنها لا تُنذر بالضرورة بصراع إيراني باكستاني أكبر.
وأضاف: "لم تشن إيران ولا باكستان هجوما على قوات أو أصول الطرف الآخر، بدلا من ذلك، هاجم كل منهما ما يعتبرونه قوات متشددة داخل أراضي الآخر والتي يعتبرها الآخر أيضا إشكالية".
وأوضح زميل المجلس الأطلسي أنه من غير المرجح أن تدخل القوات الباكستانية والإيرانية في مواجهة مباشرة لعمليات عسكرية، ومع ذلك، إذا فعلوا ذلك، ستكون الولايات المتحدة أقل قدرة على العمل كوسيط بسبب افتقارها إلى العلاقات مع إيران مقارنة بالقوى الأخرى مثل الصين وروسيا وربما الاتحاد الأوروبي، التي يمكنها العمل مع كلا البلدين.
في المقابل، تؤكد أستاذة التاريخ بجامعة فلوريدا أتلانتيك، كيلي جاي شانون أن "الضربات الانتقامية تهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، إذ تهدد تلك الهجمات بمزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط غير المستقر بالفعل في الوقت الراهن".
وأوضحت أن هذا الوضع له نتيجتان محتملتان:
الأولى: أن التبادل الإيراني الباكستاني قد استوفى حاجة كل حكومة إلى الظهور بقوة، وسيعود الوضع إلى الوضع الذي كان عليه من قبل.
الثاني: أنه ستكون هناك هجمات عسكرية متبادلة مستمرة بين إيران وباكستان يمكن أن تتصاعد وتزيد من الخطر الكبير بالفعل لحرب أوسع في الشرق الأوسط.
معادلة صعبة
ومن إسلام آباد، أوضح الخبير في الشأن الباكستاني، محمد العقاد، أنه لا يعتقد أن الأمور ستذهب باتجاه المزيد من التصعيد، خاصة بعد رد باكستان على الضربة الإيرانية بنفس الطريقة ونفس الأسلوب، وبالتالي فإن الأمور ستهدأ إلى حد كبير، ويمكن القول إن المعادلة أصبحت "ضربة مقابل ضربة".
وحدد العقاد في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية، مسار الصراع الراهن بين إيران وباكستان في عدد من النقاط قائلاً:
- بالنسبة لباكستان فإنها لا تريد التصعيد وتريد حل جميع المشاكل والقضايا بالطرق الدبلوماسية لكن انتهاك سيادة الأراضي الباكستانية وتوجيه إيران ضربة عسكرية داخل الأراضي الإيرانية استدعى بشكل حاسم ضربة عسكرية باكستانية لرد الاعتبار وإيصال رسالة إلى إيران مفادها بأن أي انتهاك للسيادة سيواجه برد حاسم وبنفس الأسلوب.
- قبل قليل جرت محادثة بين وزير الخارجية الباكستاني ووزير الخارجية الإيراني، حيث أكدت باكستان حرصها على عدم تصاعد الأمور و استعدادها للعمل مع إيران في كافة القضايا على أساس روح الثقة والتعاون المتبادلين.
- الآن الكرة في ملعب إيران، إذا بادرت مرة أخرى باستهداف الأراضي الباكستانية تحت أي ذريعة فإن باكستان لن تتردد بالرد بنفس الطريقة، وهذا بدا واضحا جدا من الرد الباكستاني على الضربة الأولى، وعلى الرسائل التي أوصلتها باكستان لإيران من هذه الضربة.
- حدود التصعيد بين الطرفين يحددها طبيعة تعامل إيران من الآن فصاعدا مع هذه القضية، وما إذا كانت ستبادر مرة أخرى باستهداف الأراضي الباكستانية، وكذلك طبيعة الرد الباكستاني على أي تحرك إيراني.
- أرجح أن تذهب الأمور باتجاه الهدوء النسبي في الوقت الحالي لأن كلا الطرفين لا مصلحة لديهما في أي تصعيد:
- بالنسبة لباكستان فهي مقبلة على انتخابات ولا تريد أي تصعيد في الوقت الحالي، كما أن التصعيد مع إيران بالذات له تأثيرات كبيرة على المجتمع الداخلي الباكستاني، مع وجود ما نسبته ٢٠% تقريبا من الشعب الباكستاني هم من الشيعة ولديهم ارتباط مذهبي بطريقة أو بأخرى مع إيران.
- وبالنسبة لإيران فهي استهدفت العراق وسوريا وقبل يومين استهدفت باكستان ولذلك لا مصلحة لديها في فتح عدة جبهات ضدها.
- من المتوقع بشكل كبير أن تتوسط الصين بين باكستان وإيران لحل هذا التوتر، لأن الصين من أكبر المتضررين في حال توسع الصراع بين إسلام أباد وطهران نظرا لاعتبارات جيوسياسية واقتصادية، فالصين تحاول الربط بين دول المنطقة على المستوى الاقتصادي، ومشاريع الصين الاقتصادية تحتاج الترابط الجغرافي بين باكستان وإيران، لأن باكستان هي الطريق الأمثل بالنسبة للصين للوصول إلى إيران لأن الخيار الآخر هو أفغانستان غير المستقرة.