يبدو أن حرب غزة حملت رياح الشتاء مبكرا على كييف، فحزم الدعم التي كانت تتدفّق على أوكرانيا من كل حدب وصوب قبل 7 أكتوبر، باتت في خبر كان مع تلويح عددٍ من العواصم الأوروبية بالميل إلى تقليص حجم المساعدات المقدّمة، حيث أكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، أن واشنطن ستتوقّف في وقت قريب عن تقديم الدعم لـ"كييف"؛ إذ تم إنفاق الكثير من الأموال على هذا الغرض؛ دون أي نجاحات تُذكر في الميدان.
وكتب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، عبر قناته في "تلغرام": "يقوم المشرّعون الأميركيون بتعطيل تمويل الإنفاق العسكري لإسرائيل وأوكرانيا لهذا العام لأسباب فنية، لكنها ليست فنية بالكامل".
الولايات المتحدة، تركت حليفها، الرئيس فولوديمير زيلينسكي، في مأزق شديد، وأعلنت على الملأ على لسان منسّق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض، جون كيربي، أنها أنفقت فعلًا 96% من الأموال المخصصة لكل أنواع الدعم لأوكرانيا منذ بداية العملية الخاصة، بما في ذلك توريدات الأسلحة، ولم يبقَ لدى البنتاغون سوى قرابة 1.1 مليار دولار، مخصصة لاستبدال الأسلحة لصالح مستودعات الجيش الأميركي، حسب ما نقلت صحيفة "فايننشال تايمز".
وتحدَّث خبيران لـ"سكاي نيوز عربية" عن الحرب في أوكرانيا، وكيف تسبّبت حرب غزة في جعل كييف بمثابة العبء على الغرب بالكامل، في ظل أزمات التضخم ونقص وارتفاع أسعار الطاقة وتراجُع الإنتاج.
العبء الكبير
يقول الباحث الروسي مدير مركز "جي سي إم" للدراسات ومقره موسكو، آصف ملحم: "الانقسام الأوروبي والغربي بشأن دعم أوكرانيا بدأ يدب في صفوف عواصم "القارة العجوز" قبل اندلاع حرب غزة، وبدأت الأزمة الأوكرانية تشكل عبئًا حقيقيًّا على الدول الغربية، في الأشهر الأخيرة، كما أن وجود اللاجئين الأوكرانيين في أوروبا خلق العديد من المشكلات في المجتمعات الأوروبية، حتى قبل بدء الحرب في غزة".
واستشهد آصف ملحم، في حديثه إلى "سكاي نيوز عربية"، ببعض القرائن على ذلك:
- أصبحت صناعة الأسمدة غير مربحة في ألمانيا؛ فبسبب العقوبات المفروضة على الغاز الروسي، ارتفع سعر الغاز بنحو 40%، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع أسعار الأسمدة المصنّعة في ألمانيا بنسبة 150%، بسبب ذلك أعلن عملاق الصناعات الكيميائية BASF في مدينة لودفيغسهافن الألمانية عن نيته إغلاق مصنع الأمونيوم هناك، وهناك مصنع آخر يتجه للإغلاق أيضًا.
- أعلنت الحكومة السويسرية في 5 أكتوبر الماضي، عن استعدادها لدفع مبلغ 4400 دولار لكل لاجئ أوكراني مقابل عودته إلى أوكرانيا، والسبب أن وجود هؤلاء اللاجئين على الأرض السويسرية أدى إلى خلق الكثير من الأعباء الاقتصادية على الحكومة هناك.
- وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها وكالة "رويترز" في بداية أكتوبر الماضي، تبيّن أن 41% من الأميركيين يؤيّدون فكرة مساعدة أوكرانيا عسكريًّا، و35% ضد مساعدة أوكرانيا، في حين كانت هذه الأرقام في مايو الماضي 46% يؤيّدون مساعدة أوكرانيا و29% ضد مساعدتها، وهذا في الواقع يعكس تراجعًا واضحًا في دعم أوكرانيا في المجتمع الأميركي.
- أعلن رئيس الحكومة الإيرلندية، ليو فرادكار، في أكتوبر الماضي، أن إيرلندا غير قادرة على قبول المزيد من اللاجئين الأوكرانيين.
- كانت معظم المواد الغذائية الأوكرانية تمر عبر الاتحاد الأوروبي بسبب إغلاق ممرات البحر الأسود، إلا أنه بسبب تغيّر سلاسل الإمداد وصعوبة اللوجيستيات كانت هذه المواد الغذائية تتراكم في دول أوروبا الوسطى، ولا تصل إلى المستهلك النهائي، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية في تلك الدول وركود الأسواق هناك، ما أثار حفيظة بعض دول أوروبا الشرقية والوسطى.
- كان زيلينسكي يُستقبَل استقبال الأبطال في العديد من العواصم الأوروبية، إلا أن الحال تغيّر جذريًّا في الأشهر الأخيرة، وهذا ما لاحظه كثير من المراقبين.
يؤكد الباحث آصف ملحم أن الانعكاسات السلبية للأزمة الأوكرانية على الدول الغربية كثيرة حتى قبل اندلاع الحرب في غزة، وأن الحرب في غزة تشكل عبئًا سيترك عواقب مباشرة على أوكرانيا، تتمثّل في إعادة تركيز انتباه العالم على حرب جديدة، توجد فيها ديناميكيات، على عكس كييف.
السقوط في مستنقع الدعم
كشفت صحيفة "واشنطن بوست"، في تقرير، الثلاثاء، أن اهتمام الكونغرس الأميركي بتمويل أوكرانيا أصبح أقل من السابق، وأن الأولويات الأمنية الأخرى كدعم إسرائيل والحدود الجنوبية قد تعني انخفاضًا في المساعدات الأميركية لكييف أو حتى نهايتها.
في مقابلة مع "فورين بوليسي"، كشفت فيونا هيل، كبيرة مستشاري البيت الأبيض في زمن رئاسة دونالد ترامب لشؤون روسيا، أن هناك المزيد من التساؤلات في الدول الغربية التي يتم طرحها بشأن الغايات والأهداف النهائية للمساعدة التي يتم تقديمها إلى كييف.
في سياق متصل، يرى الباحث في العلاقات الدولية لدى معهد البحوث والدراسات العربية، يسري عبيد، أن أوكرانيا أصبحت عبئًا على الغرب الداعم لها بالأسلحة والمال والذخائر، نظرًا للورطة التي تسببت فيها الولايات المتحدة بإقحام الغرب الأوروبي في "حرب ضمنية" ضد روسيا؛ وذلك على المدى الطويل من الدعم، ما تسبّب في خسائر واسعة اقتصاديًّا وتجريف مخزون الذخيرة والأسلحة في أوروبا.
ويضيف عبيد لموقع "سكاي نيوز عربية": "الولايات المتحدة دعمت حكومة كييف بـ44.5 مليار دولار حتى أواخر أكتوبر 2023، بينما قدّمت أميركا أكثر من 75 مليار دولار من المساعدات العسكرية والإنسانية والمالية لكييف دون نتائج ملموسة، وتخطّى الدعم الكلي أكثر من 100 مليار دولار في ظل أزمة الطاقة المشتعلة بالغرب، بينما تجاوزت صور الدعم الأوروبي 27 مليار دولار، وبات المَخرج الوحيد لأوكرانيا حاليًّا هو القبول بالشروط الروسية والإملاءات التي ستخرج من موسكو، دون طموح في استعادة أراضٍ تقع تحت سيطرة روسيا حاليًّا".
وتطرّق يسري عبيد إلى نقاط تؤكد رغبة الغرب في التخلص من عبء أوكرانيا بأدنى خسائر أمام الدب الروسي:
- عناد زيلينسكي المستمر ربما يكون عاملًا في سعي أميركا ودول الغرب الأوروبي لاستبداله بمَن يتوافق مع روسيا.
- تطبّق أميركا فقه الأولويات في الدعم، لا سيما أن إسرائيل في حاجة إلى دعم مستمر ما دامت استمرت حرب غزة.
- تخشى الدول الغربية بزعامة واشنطن من دخول أطراف كإيران وروسيا والصين إلى ساحة الشرق الأوسط ضد إسرائيل.
- إطالة أمد المعركة بات في غير صالح الغرب مع تزايد احتمالات ضم روسيا أراضيَ جديدة تهدد مصالح وأمن حلف شمال الأطلسي (ناتو) في المنطقة الشمالية من العالم.
في وقت سابق الأربعاء، صرّح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، بأن المساعدات الأميركية لأوكرانيا معرضة للخطر، بسبب إحجام مجلس النواب عن الموافقة على طلب الإدارة.