تملك الولايات المتحدة أكبر عدد من القواعد العسكرية الخارجية في العالم لدوافع تترواح بين حرب أوكرانيا والحرب التجارية مع الصين، وتستخدمها كورقة للردع أحياناً والهجوم أحياناً أخرى.
في المقابل، تشعر روسيا بالتهديد وتوسّع انتشارها العسكري خارج حدودها مع تزايد خطر توسع رقعة النزاع في أوكرانيا وتدخّل أطراف إضافية فيه.
أما الصين، فتعمل على زيادة نفوذها العسكري في تحدّ للهيمنة الأميركية.
هل تنجح روسيا والصين في تحدي تطويق أميركا لهما بالقواعد العسكرية؟ وهل تنفجر هذه القنابل الموقوتة في حرب عالمية؟
- أكثر من 750 قاعدة عسكرية أميركية خارج حدود الدولة جعلت "إمبراطورية القواعد" تتصدر المشهد العسكري العالمي.
- لكن دولا، مثل روسيا والصين، تستشعر مخاطر تطويقها بهذه القنابل الموقوتة.
- وتعمل على توسيع نفوذها العسكري خارج أراضيها تحسباً لأي مواجهة محتملة مقبلة.
هل العالم اليوم أمام حرب قواعد عابرة للقارات؟
أعادت الحرب في أوكرانيا إلى الواجهة القواعد العسكرية خارج حدود الدول مع تزايد خطر توسع رقعة النزاع وتدخل أطراف إضافية فيه، وذلك رغم أن العدد الإجمالي للقواعد العسكرية في الخارج انخفاض بشكل عام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
أميركا أكبر مشغّل للقواعد العسكرية
- لكن الولايات المتحدة حافظت على مكانتها كأكبر دولة مشغّلة للقواعد العسكرية الخارجية لدوافع تترواح بين الحرب في أوكرانيا والحرب التجارية مع الصين.
- وينتشر اليوم مئات الآلاف من الجنود الأميركيين في نحو 750 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة.
- ويتركز الجهد الأميركي على نشر قوات واستحداث قواعد في أوروبا الشرقية، التي بات وضعها حساساً جداً بعد الحرب في أوكرانيا، أحدثها قاعدة "ريدزيكفو" العسكرية، التي تم تدشينها هذا العام في بولندا، العضو في الناتو.
- وتضم نحو ألفين من جنود مشاة البحرية "مارينز"، الذين تنحصر مهمتهم في تسيير نظام دفاع صاروخي متطور ضد هجمات الصواريخ الباليستية يعرف ب"آيجيس"، يتتبع الأسلحة ويوجهها لتدمير أهداف العدو.
- وتقع ريدزيكفو في شمال بولندا، على بعد أقل من 200 كيلومتر من كالينينغراد، الجيب الروسي على بحر البلطيق، وشكل بناؤها انعطافة مهمة في التوجه الأميركي لتخفيف الوجود العسكري في أوروبا.
- وتنتشر القوات الأميركية أيضا في أوروبا الشرقية في مواقع عديدة إلى جانب حلف الناتو، ولديها مجموعات قتالية متعددة الجنسيات في بلغاريا، إستونيا، وهنغاريا، لاتفيا، ليتوانيا، بولندا، رومانيا، وسلوفاكيا.
- تشكل هذه القواعد مظلة دفاعية لأوروبا وتلبي حاجات الرد المباشر في حال توسعت الحرب في أوكرانيا لتشمل دولا أخرى. كما أنها تتيح مساعدة كييف بطريقة غير مباشرة في وجه روسيا.
في المقابل، تتركز القواعد الحصرية للقوات الأميركية في غرب أوروبا، ويتوزع الثقل الأساسي في ثلاث دول:
- ألمانيا التي تضم 21 قاعدة تشمل كل أنواع الأسلحة والاختصاصات.
- وبريطانيا التي تستضيف 13 قاعدة أغلبها جوية وتستقبل قاذفات استراتيجية.
- وإيطاليا التي تضم عدداً مماثلاً من القواعد التي هي غالبيتها بحرية.
وهناك قاعدتان بحريتان أخريان في إسبانيا وواحدة في البرتغال، وأخرى في جزيرة كريت اليونانية.
الحاجة إلى قواعد عسكرية في الخارج لا تنبع من الرغبة في شن أعمال عدوانية ضد دول أخرى، إنما من ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد وحماية مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. هكذا تسوّغ الولايات المتحدة وجود المئات من قواعدها ومنشآتها العسكرية في جميع أنحاء العالم تقريبا.
روسيا توسع انتشار قواعدها العسكرية وتتحدى الناتو
في المقابل، تجد روسيا نفسها، مع تنامي الأخطار والتحديات، أمام تغيير محتم في عقيدتها الدفاعية واستراتيجية الأمن القومي، لتعزيز قواعدها وراء حدودها الوطنية.
فلم يتبقّ لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، سوى قواعد عسكرية في أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وترانسنيستريا بمولدوفا وطاجيكستان وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا وأوكرانيا في شبه جزيرة القرم.
إضافة إلى قاعدتين في سوريا، جوية في حميميم، وبحرية في طرطوس.
وقد وافق السودان على استضافة قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، بما يسهّل تحركاتها المباشرة في شمال غربي المحيط الهندي ومدخل البحر الأحمر.
لكن حتى الآن، تعد سوريا الدولة الوحيدة خارج الفضاء السوفييتي التي فيها منشآت عسكرية روسية.
وهي غير كافية، مقارنة بالانتشار العسكري الأميركي الواسع خارج حدود البلاد.
لذلك، تحدثت تقارير، في السنوات الأخيرة، عن احتمال إنشاء قواعد عسكرية روسية في بلدان أخرى مثل ليبيا والصومال واليمن وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق، مع عدم استبعاد إمكانية استعادة القواعد العسكرية في فيتنام وكوبا.
أميركا تنشر قواعد عسكرية في الهندي والهادئ
ساحة أخرى كانت بدورها مسرحا لعرض العضلات العسكرية. لكن هذه المرة في المحيطين الهندي والهادئ حيث تعزز الولايات المتحدة قوس انتشارها العسكري حول الصين، في تحد واضح للدولة الوحيدة التي لديها الإرادة المتزايدة لإعادة تشكيل منطقتها والنظام الدولي بالشكل الذي يناسبها، على حد تعبير وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن نفسه.
- تمتد منطقة المحيطين الهندي والهادئ على نحو نصف سطح الكرة الأرضية.
- ووفق الاستراتيجية الدفاعية الأميركية: تقسم منطقة غرب الهادىء إلى منطقتين يجب منع الصين من تجاوزهما: سلسلة الجزر الأولى التي تبدأ من ساسبيو اليابان مرورا بتايوان والفلبين
- وسلسلة الجزر الثانية التي تبدأ من يوكوسوكا في اليابان وتتجه جنوبا.
- تحتضن اليابان وحدها 120 قاعدة عسكرية أميركية ينتشر فيها نحو 50 ألف عسكري، وتحتل بذلك المرتبة الأولى عالميا بهذا الصدد.
- ويشكل اليابان مقر الأسطول السابع الذي يتولى أمن هذه المنطقة حيث يغطي بقعة جغرافية تبلغ نحو 124 مليون كيلومتر مربع.
- أما كوريا الجنوبية، فتعد ثالث أكبر مستضيف للقوات الأميركية بعد اليابان وألمانيا.
- وتضم 73 قاعدة معظمها جوية ومعسكرات لجيش مشاة البحرية، وأهمها معسكر همفريز، أكبر قاعدة أميركية من حيث الحجم وعدد القاطنين فيه على مستوى العالم.
- وفي جزيرة غوام، توجد 3 قواعد عسكرية أميركية، أهمها استراتيجيا قاعدة أندرسون. وتحتل تلك القواعد مساحة 29% من أراضي الجزيرة.
- بالانتقال إلى سنغافورة، توجد قاعدة دعم للأسطول الأميركي في المحيطين الهندي والهادىء، ومقر لإدارة سفن القتال الساحلية.
- ووقعت واشنطن أخيرا صفقة مع الفلبين لبناء 4 قواعد عسكرية جديدة وهي تعدّ الأقرب جغرافيًّا إلى تايوان بمسافة تقدر بنحو 1200 كيلومتر.
- ينسجم التوسع العسكري الأميركي حول الصين مع استراتيجية الأمن القومي الأميركي، التي صنفت الصين كأخطر تحد جيوسياسي، في وصف أخطر من تصنيف روسيا على أنها تهديد أمني عاجل.
أميركا تسلّح قواعدها بأحدث الأسلحة
- من ناحية التسليح، تنشر القوات الأميركية نظام إيجيس الباليستي الدفاعي على متن 17 سفينة ضمن أسطول المحيط الهادىء، أبرزها في كوريا الجنوبية واليابان.
- وتنشر منظومة الدفاع الجوي الصاروخي من طراز "ثاد" في قواعد في: غوام وكوريا الجنوبية.
- إضافة إلى 3 حاملات طائرات مع كل مجموعاتها القتالية: نتحدث هنا عن: يو إس إس رونالد ريغان مقرها الأساسي اليابان.
- ويو إس إس ثيودور روزفلت ومقرها الأساسي جزيرة غوام.
- بينما تقوم حاملة الطائرات نيميتز، ومقرها قاعدة سان دييغو بدوريات في الشرق.
الصين تبني قواعد عسكرية في وجه أميركا
- بذلك، تكون جزر المحيطين الهادئ والهندي قد تحولت إلى برميل بارود يمتلئ بسرعة قياسية، مع تكديس كمّ هائل من القواعد العسكرية والأسلحة بأنواعها المختلفة.
- لكن الصين لم تبقَ مكتوفة الأيدي في وجه التوسع الأميركي في عقر دارها.
- بدأت الصين توسيع انتشارها العسكري خارج حدودها منذ 2010 باتجاه مواقع توفر لها ميزتي الحركة والاستعداد للمواجهة مع خصمها الرئيس: الولايات المتحدة، علما أن بكين تمتلك الطاقة الأضخم من الموارد البشرية في العالم مع جيش عديده مليوني جندي.
- اعتمدت بكين استراتيجية {حصار الحصار} من خلال اتفاقية أمنية مع جزر سليمان.
- ووفق تلك الاتفاقية، يمكن لبكين إقامة قواعد عسكرية في تلك الجزر، التي لا تبعد إلا نحو 1700 كيلومتر.
- وركزت على وجودها في القرن الإفريقي والمحيط الهندي مع إقامة في جيبوتي قاعدة بحرية عسكرية تتسع لنحو 10,000 من جنودها.
- وتقع هذه القاعدة بالقرب من القاعدتين العسكريتين الفرنسية والأميركية في معسكر Camp Lemonier بجيبوتي التي تعد بمثابة المقر للقيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا AFRICOM
- ورغم عدم امتلاك الصين عدد قواعد عسكرية خارجية يضاهي عدد القواعد الأميركية، تبقى واحدة من خمس دول قادرة على استهداف أي مكان في العالم، بالقدرات الصاروخية التي تملكها.
هل تنفجر القواعد العسكرية في حرب عالمية؟
تجاوزت تكلفة انتشار القوات الأميركية في العالم 6 تريليونات دولار حتى نهاية 2020.
ورغم أن هذه القواعد تعتبر مبدأ أساسيا في استراتيجية الأمن القومي الأميركي، تحدثت مجلة "فورين بوليسي" عن حركة متنامية تجادل بأن هذه القواعد جرّت أميركا إلى صراعات متهورة، ودفعت صناع القرار إلى ردود عسكرية غير متوقعة بدلا من ردود فعل دبلوماسية، واستفزاز الأعداء بدلاً من ردعهم.