واصلت فرنسا إجلاء رعاياها ومواطنين أوروبيين من النيجر إلى باريس، وسط مخاوف من تفاقم الأوضاع في نيامي بعدما أطاح عسكريون برئيس البلاد المنتخب محمد بازوم.
ويتزامن إجلاء الرعايا الأوروبيين مع اجتماع رؤساء أركان بلدان المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) في نيجيريا؛ لبحث الإجراءات المتخذة إزاء الانقلاب بالنيجر.
وجاء بعد إدانة زعماء غرب إفريقيا الذين اجتمعوا في قمة استثنائية بالعاصمة النيجيرية على خلفية الانقلاب في النيجر، وأمهلوا الانقلابيين أسبوعا لإعادة الرئيس بازوم، من دون أن يستبعدوا إمكانية استخدام القوة.
واستبعد مراقبون تحدثوا لـ"سكاي نيوز عربية"، أن تتورط فرنسا في تنفيذ عملية عسكرية في النيجر، بالنظر إلى تشدد مواقف المجلس العسكري الحاكم إزاء الغرب، فضلا عن دعم السلطات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، مما يهدد بتفجر الأوضاع في المنطقة كلها.
ماذا يحدث حاليا؟
• اتهم المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في النيجر، فرنسا بالتخطيط للتدخل العسكري لإعادة بازوم، مع استمرار التوترات بالمنطقة في أعقاب الانقلاب.
• اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لغة قوية تجاه المجلس العسكري في النيجر، متعهدا بعمل "فوري ولا هوادة فيه" إذا تعرض المواطنون الفرنسيون أو المصالح الفرنسية للهجوم، بعد احتشاد الآلاف خارج السفارة الفرنسية.
• نفت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، أي نية للتدخل العسكري في النيجر، قائلة لمحطة إخبارية الفرنسية: "هذا خطأ... لا يزال من الممكن إعادة رئيس النيجر إلى السلطة، وهذا ضروري لأن زعزعة الاستقرار محفوفة بالمخاطر بالنسبة للنيجر وجيرانها".
• أعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنتونيو تاياني، معارضته لأي تدخل عسكري غربي بالوضع في النيجر، معتبرا مثل هذا التدخل بأنه "استعمار جديد".
• أمهلت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، المجلس العسكري في النيجر أسبوعا لإعادة السلطة إلى طبيعتها، محذرة من أنه إذا لم تتم إعادة بازوم فإنها ستتخذ "كل الإجراءات" لاستعادة النظام الدستوري الذي "قد يشمل استخدام القوة".
• قالت المجموعة إن الخيار العسكري في النيجر هو الحل الأخير "لكن يجب الاستعداد لهذا الاحتمال".
• حصل المجلس العسكري الجديد في النيجر على دعم قوي من السلطات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا.
• علقت ألمانيا المساعدات المالية والتعاون الإنمائي، كما اتخذت الأمم المتحدة قرارا مماثلا بتعليق العمليات الإنسانية.
• دعت روسيا إلى العودة السريعة لـ"سيادة القانون" و"ضبط النفس من جميع الأطراف حتى لا يؤدي ذلك إلى خسائر بشرية".
• أعيد فتح الحدود البرية والجوية للنيجر مع خمس دول حدودية، بعد نحو أسبوع على إغلاقها، وهي الجزائر وبوركينا فاسو وليبيا ومالي وتشاد.
• اعتبرت وكالة "أسوشيتد برس"، أن انقلاب النيجر يشكل تهديدا خطيرا للاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل، بعدما أجبرت عدة انقلابات عسكرية في دول أخرى فرنسا بالفعل على إعادة التفكير في وجودها العسكري المستمر منذ سنوات.
مناهضة إفريقية
بدورها، ترى الخبيرة الأميركية المتخصصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا توسكرمان، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه بالنظر إلى الإطاحة بفرنسا من ثلاث دول في غرب إفريقيا والافتقار إلى الإرادة السياسية لمواصلة العديد من عمليتها لمكافحة الإرهاب، فإن التدخل العسكري في النيجر أو محاولة القيام بعملية سرية لاستعادة الرئيس بازوم بعد وقت قصير من الانقلاب "أمر مشكوك فيه للغاية".
وأرجعت "توسكرمان" تحليلها إلى عدد من الأسباب، على رأسها:
- تواجه فرنسا مواقف معادية بشكل متزايد؛ مع تهديد مالي وبوركينا فاسو بالتدخل في حالة التدخل العسكري، ولذلك لن تخاطر فرنسا بمواجهة 3 جيوش.
- تتمتع مجموعة الإيكواس بسلطة أكبر ووسائل أوسع للقيام بالتدخل، كما يمكن أن تتلقى بعض المساعدة اللوجستية والاستخباراتية من فرنسا من الخفاء، وربما تعمل مع المستشارين الفرنسيين، ولكن سيتعين عليها أن تزن مخاطر التصعيد من قبل مالي وبوركينا فاسو التي يمكن أن تغرق المنطقة في حرب واسعة النطاق، مما يزيد من زعزعة استقرار منطقة الساحل ويعطي المزيد من الانفتاح على المنظمات الإرهابية ويؤجج التوترات الطائفية أيضا.
- من ناحية أخرى، فإن البلدان الأخرى مهددة بتأثير الدومينو لهذه الانقلابات وانتشار الدعاية الروسية.
- في الوقت نفسه، هدد الغرب بفرض عقوبات على النيجر إذا لم تتم استعادة الحكومة المنتخبة بحلول يوم الأحد، ومع ذلك، من غير المرجح أن تغير هذه العقوبات مسار عمل المجلس العسكري؛ بل من المرجح أن تستخدم كأداة دعائية ضد الغرب وضد الإدارة السابقة.
- حالياً، تم تقييد ما يقرب من 1000 جندي أميركي متمركزين في النيجر في قاعدتهم.
مخاوف من الإرهابيين
وفي الوقت الذي تكافح فيه النيجر مخاطر حملات إرهابية، واحدة في الجنوب الغربي، والتي اجتاحت مالي عام 2015، والأخرى في الجنوب الشرقي، وتضم إرهابيين من شمال شرق نيجيريا، سلط الانقلاب الضوء على الوجود العسكري الفرنسي المتنازع عليه في منطقة الساحل الأفريقي بعد 10 سنوات من محاربة حركات الإرهاب.
وحدد المستشار الإستراتيجي الإيطالي والمحلل السياسي المهتم بمنطقة الساحل والصحراء، دانييلي روفينيتي، في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، طبيعة الموقف الراهن في النيجر على جهود مواجهة الجماعات المتشددة في عدد من النقاط، قائلا إن:
- النيجر هي قاعدة البعثات الأمنية الغربية في منطقة الساحل، إذ تعد موطنا لقواعد عمليات الطائرات بدون طيار الأميركية التي تستهدف قادة الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، ومن الواضح أنه بدون حكومة ديمقراطية في نيامي، سيكون الأمر أكثر تعقيدا للحفاظ على عمل هذه البعثات.
- ديناميكية ما يحدث في النيجر معروفة جيدا للأسف، على غرار ما شوهد في بوركينا فاسو، على سبيل المثال، حيث نعلم أن ما يوحد منطقة الساحل هو استياء كبير بسبب الظروف الأمنية السيئة في المنطقة.
- يرتبط انعدام الأمن هذا بالانتشار السريع والعميق للجماعات الإرهابية التي تكتسب مزيدا من الأرض.
- المشكلة هي أنه في حين أن الانقلابات مدفوعة بمحاولة رسمية لتحسين المعركة ضد الإرهاب (على الرغم من أنها غالبا ما تنطوي على موازين أخرى للقوة)، فإنها من ناحية أخرى تنتج مشاكل للمعركة ضد الإرهاب نفسه.
- في نهاية المطاف، لا أرى أي آثار إيجابية محتملة في مواجهة الإرهاب في منطقة الساحل بعد الأحداث الجارية في النيجر، بل على العكس من ذلك، لا يمكن لظروف الفوضى المتزايدة إلا أن تنعش عمل الجماعات المتمردة.