جاءت نتائج الاجتماع الأمني الذي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن النيجر، السبت، لتؤكد قلق باريس بشأن مصالحها في البلد الإفريقي الذي يشهد انقلابا عسكريا ويستضيف على أراضيه 1500 من القوات الفرنسية.
وبعد الانقلاب على الرئيس محمد بازوم، الأربعاء، وتوجيه القادة الجدد تحذيرا لباريس من التدخل، بات مصير القوات الفرنسية هناك محل قلق، حيث إن النيجر شريك مميز لباريس في غرب إفريقيا، بعد طرد قواتها من مالي المجاورة عام 2022.
ويعدد باحثون سياسيون لموقع "سكاي نيوز عربية"، الأسباب التي وضعت باريس في هذه الأزمة، ومسؤوليتها عن جزء منها، وفرص استحواذ روسيا والصين على نفوذها في منطقة غرب إفريقيا، فضلا عن احتمال خسارة أكبر مورد لليورانيوم إلى فرنسا.
عقوبات فرنسية
والسبت، أعلنت باريس عدة قرارات عقابية، وذلك في اجتماع مجلس الدفاع والأمن القومي المخصص للنيجر برئاسة ماكرون، ومنها بحسب بيان لوزارة الخارجية الفرنسية:
- تعليق جميع الإجراءات الخاصة بالمساعدات التنموية التي تقدمها للنيجر.
- تعليق ما يخص دعم ميزانية الدولة الواقعة غرب إفريقيا.
- ضرورة العودة دون تأخير إلى النظام الدستوري النيجري، والتشديد على شرعية الرئيس المنتخب.
وكان قادة الانقلاب وجهوا، الخميس، تحذيرا لفرنسا من التدخل في الشأن الداخلي، وجاء في بيان باسم "المجلس الوطني لحماية الوطن"، أن باريس "تجاوزت قرارهم بإغلاق الحدود بهبوط طائرة عسكرية فرنسية في مطار نيامي الدولي".
خسائر جسيمة
يسرد الخبير العسكري والاستراتيجي الفرنسي دومينيك كارايول، أمثلة لما يمكن أن يرتد على بلاده من أضرار، إذا جاء نظام حكم غير حليف لها بعد انقلاب النيجر:
- بسقوط حكومة بازوم، سينتهي الأمر بسيطرة الإرهاب والفوضى على حزام متصل من مالي إلى نيجيريا.
- ستزيد موجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
- نفوذ باريس بدول غرب إفريقيا يمر بمرحلة مفصلية الآن، لأن روسيا قد تستغل حالة الفوضى وتنفذ أجندتها الرامية إلى العمل مع الجماعات المحلية غير الراضية غن التواجد الغربي.
- نجاح الانقلاب قد يعني فقدان باريس لأكبر مورد لليورانيوم المستخدم في المفاعلات الفرنسية، مما يعني تصاعد أزمة الطاقة بها.
أسباب "الضربة"
المحلل السياسي المقيم في باريس نزار الجليدي، يحمّل فرنسا مسؤولية تراجعها السريع في غرب إفريقيا، ويضيف موضحا:
- اتبعت فرنسا سياسات خاطئة، مثل التخلي عن التزاماتها تجاه دول غرب إفريقيا (في إشارة لوعود التنمية والأمن)، فأحدثت فجوة كبيرة بينها وبين باريس.
- حتى موريتانيا الفرنكوفونية بدأت في تغيير سياساتها والاعتماد على اللغة الإنجليزية بشكل أكبر، وأصبحت وجهاتها نحو أميركا وكندا.
- ما يجري في النيجر رغبة في التغيير والاتجاه نحو الشرق.
- هناك فشل كبير للدبلوماسية الفرنسية التي تخسر نفوذها بشكل متوال، وربما نرى دولا أخرى تخرج من العباءة الفرنسية في ظل تنامي النفوذ الروسي بالمنطقة.
وكانت مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة العاملة في عدة دول بغرب إفريقيا، أبدت تأييدها للانقلاب، قائلة في رسالة منسوبة لقائدها يفغيني بريغوجين، إن "الأحداث في النيجر كانت جزءا من حرب الأمة ضد المستعمرين"، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".
تغير المشهد كاملا
الخبير في الشؤون الإفريقية المقيم في باريس محمد تورشين، يقول: "حتى وقت قريب كانت فرنسا تمتع بتأثير سياسي واقتصادي قوي في المنطقة، لكن منذ عام 2010 بدأت في التدهور مع دخول منافسين آخرين، وعلى رأسهم الصين، التي دخلت من باب المساعدات الاقتصادية والتسليح".
و"بالتالي تغير المشهد بشكل كامل، ولم تعد إفريقيا هي ذاتها التي كانت تتعامل معها فرنسا في الماضي" وفقا لتورشين، و"على فرنسا اتباع سياسات جديدة إذا ما أرادت الحفاظ على ما تبقى لها في القارة".
ومن هذه السياسات المطلوب إصلاحها، حسب الخبير في الشؤون الإفريقية، رفض باريس مطالب دول في القارة بالاعتذار عن فترة احتلالها قبل عقود.