كشفت الحكومة الألمانية، الخميس، النقاب عن أول استراتيجية للتعامل مع الصين، في خضم المحاولات الأوروبية لزيادة الضغط على الشركات للتخلص مما يوُصف بـ"المخاطر وتقليل التبعية لبكين"، في وقت تخوّف مراقبون من أن تلقي بانعكاسات سلبية على الداخل الألماني.
يأتي ذلك بعد شهر واحد من إعلان برلين عن استراتيجيتها الشاملة للأمن القومي، والتي تعد الأولى في تاريخ البلاد الحديث، وتستهدف بالأساس معالجة أولوياتها وطموحاتها في أوروبا، عقب التحولات الجيوسياسية الواسعة التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية.
وجرى إصدار الاستراتيجية بعد أسابيع قليلة من استضافة المستشار الألماني، أولاف شولتز، وفدا برئاسة رئيس الوزراء الصيني الجديد لي تشيانغ، الذي كانت زيارته لبرلين أول رحلة خارجية له منذ توليه منصبه في مارس الماضي.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لألمانيا، حيث وصل حجم التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 300 مليار دولار العام الماضي.
ماذا تتضمن الاستراتيجية؟
- تستند الوثيقة المؤلفة من 64 صفحة التي أقرتها حكومة المستشار أولاف شولتز، إلى أول استراتيجية للأمن القومي، وتشير إلى "التنافس المنهجي" مع القوة الآسيوية، والحاجة إلى الحد من مخاطر التبعية الاقتصادية، لكنها تسلط الضوء على رغبة برلين في العمل مع بكين بشأن تحديات تغير المناخ والحفاظ على العلاقات التجارية.
- أكدت ألمانيا في استراتيجيتها أنها ملتزمة بضمان أن يصبح التعاون الاقتصادي مع الصين "أكثر عدلا واستدامة وأكثر تبادلا".
- ترفض الاستراتيجية التي تأخرت طويلا بسبب الخلافات بين شولتز ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، فكرة "الانفصال" عن الصين، لكنها تشدد على حاجة البلاد إلى "التخلص من المخاطر"، أي تنويع سلاسل التوريد وأسواق التصدير، وبالتالي تقليل تعرضها للصدمات الخارجية.
- أشارت الاستراتيجية إلى أنه "في حين أن تبعيات الصين على أوروبا آخذة في الانخفاض باستمرار، فإن تبعيات ألمانيا على الصين قد اكتسبت أهمية أكبر في السنوات الأخيرة".
- شددت على عدم وجود "نية لعرقلة التقدم الاقتصادي والتنمية في الصين"، لكن "في الوقت نفسه، هناك حاجة ماسة إلى إزالة المخاطر، ومع ذلك، فإننا لا نسعى إلى فصل اقتصاداتنا".
- قالت الحكومة إنها تتوقع من الشركات "أن تراقب عن كثب التطورات والبيانات والمخاطر ذات الصلة بالصين"، مشيرة إلى إجراء "مناقشات سرية مع الشركات التي تتعرض بشكل خاص للصين، فيما يتعلق بتحليلاتهم للمخاطر المتعلقة بالصين بهدف تحديد المخاطر التي ينبغي التركيز عليها في الوقت المناسب".
- أوضحت الاستراتيجية الجديدة أنه لن يتم منع ألمانيا من التعامل مع تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي، والتي تعتبرها بكين مقاطعة منشقة، مضيفة: "ألمانيا لديها علاقات وثيقة وجيدة مع تايوان في العديد من المجالات وتريد توسيعها".
- أضافت الاستراتيجية أن الحكومة الألمانية "تتخذ إجراءات حاسمة لمواجهة جميع أنشطة التجسس والتخريب التناظرية والرقمية التي تقوم بها أجهزة المخابرات الصينية والجماعات التي تسيطر عليها الدولة، سواء كانت هذه الأنشطة في ألمانيا أو موجهة ضدها".
- تحرص ألمانيا على عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها قبل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إذ كانت تعتمد عليها في أكثر من نصف إمداداتها من الغاز الطبيعي من موسكو.
تبعات مستقبلية
من جانبه، يرى الخبير المتخصص في علاقات أوروبا والصين، نوح باركين، لصحيفة "فاينانشال تايمز"، أن ألمانيا أرسلت إشارة مهمة عبر إصدار هذه الاستراتيجية اليوم، مضيفا: "كان هناك الكثير من الارتباك حول موقف ألمانيا".
وأضاف: "لقد أوضحت برلين الآن أن الصين لم تعد مجرد رهان اقتصادي مربح في اتجاه واحد، ولكنها تشكل تهديدات للغرب على مستويات متعددة".
وبشأن التبعات المستقبلية للاستراتيجية الألمانية بشأن التعامل مع الصين، قال خبير العلاقات الدولية المقيم في برلين، عبد المسيح الشامي، في تصريحات لموقع"سكاي نيوز عربية"، إن الاستراتيجية الألمانية هي إحدى تجليات وانعكاسات موازين القوى في العالم الجديد "متعدد الأقطاب" الذي ظهر تدريجيا في السنوات الأخيرة.
ولفت إلى أن الاستراتيجية تشير إلى عدد من المحاور، تشمل:
- السبب المباشر لاستراتيجية ألمانيا تجاه الصين كانت ردا على الموقف الصيني بتخفيض التبادل التجاري بسبب المواقف السياسية في أعقاب الحرب الأوكرانية.
- الاستراتيجية الجديدة هي انعكاس مباشر للسياسات الخاطئة التي تبنتها أوروبا في الآونة الأخيرة في أعقاب الحرب الأوكرانية تجاه الصين، والتي ما زال الغرب يعتقد أنه قادر على ممارسة ما يسمى بسياسة "العصا والجزرة" تجاه دول العالم، وبخاصة دولة كبرى كالصين.
- لم يعد الظرف وموازين القوى تسمح بهذا الأمر، وخصوصا مع دولة مثل الصين التي تعد الشريك الأول والأهم الذي لا يمكن الاستغناء عنه تجاه أوروبا، وبالتالي أعتقد أنه سيكون للاستراتيجية نتائج سلبية كبيرة جدا.
- رد فعل الصين كان بسبب بعض المواقف المتشنجة التي أبدتها أوروبا وبالأخص ألمانيا تجاه بكين في أعقاب الحرب الأوكرانية، والصين تطرح فكرة الشراكة والتكامل الاقتصادي والتبادل التجاري يُجابه دوما برفض وتشكيك من قبل الأوروبيين.
- علاقات الصين وأوروبا بدأت في الانكماش، كما بدأت الإمدادات والتسهيلات التي كانت تقدمها الصين لأوروبا تتراجع مؤخرا، خاصة أنها المصدر الأساسي لكثير من المواد الأولية.
- أعتقد أن الاستراتيجية ستلقي بتداعيات سلبية على أوروبا بشكل عام وألمانيا بالتحديد، كون برلين تمر حاليا بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتحتاج إلى التعامل مع الصين كشريك أساسي بعد خسارتها لروسيا.