رغم مرور 9 أشهر على تولِّي إبراهيم تراوري حكم بوركينا فاسو، وتعهده بأن تكون مكافحة الإرهاب أولوية وطنية، تزايد تعرُّض البلاد للهجمات؛ وهو ما يرجع إلى أن أكبر مغذٍّ للإرهاب هناك هو "اللعب على المتناقضات المحلية"، وفق خبراء.
ترسم باحثة سياسية من بوركينافاسو، وباحث من توغو المجاورة، لموقع "سكاي نيوز عربية"، ملامح عامة لخريطة الصراعات والمتناقضات الداخلية، العِرقية والدينية والاقتصادية، التي تلعب عليها الجماعات الإرهابية، وتستغلها في جذب محليين للانضمام إليها وتنفيذ عمليات ضد خصومهم تحت غطاء ديني.
بوركينا فاسو تعاني الهجمات الإرهابية منذ عام 2007، وتزايدت بعد 2016 مع ضعف إحكام الأجهزة المحلية قبضتها على الحدود الشاسعة مع 6 دول، ثم توالي الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار.
الإرهاب المحلي تمثله جماعة "أنصار الإسلام" المقربة من جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، الموالية لتنظيم القاعدة، والتي باتت تسيطر على 40% من أراضي الدولة وفق تقديرات الحكومة الأميركية، وتهدد بعملياتها دول الجوار.
مؤخرا، نشط فرع لتنظيم داعش (وهو داعش في الصحراء الكبرى) في دول الساحل، ومنها بوركينا فاسو ومالي.
تناقضات محلية
بتعبير المحللة السياسية البوركينية منى ليا، فإنه بالنظر إلى الوضع الأمني فإن عنف الإرهابيين "وصل إلى حد غير مسبوق، ومنتشر في جميع مناطق البلاد باستثناء العاصمة".
"صحيح أن الرئيس تراوري ورث وضعا أمنيا صعبا، وكثَّفت الحكومة عملياتها العسكرية، لكن يبدو أنه لم يجد طريقة لتحسينه منذ توليه السلطة (أكتوبر 2022)، واستمر الوضع الأمني في التدهور"، حسب الباحثة.
تُرجع ذلك إلى أمور داخلية في الأساس:
• التوترات الكامنة بين المجتمعات المحلية في المناطق الحدودية، والصراع بين القبائل والعشائر على الموارد.
• الافتقار إلى التنسيق بين قوات الأمن.
• انعدام الثقة المتزايد في المجتمعات العابرة (الرعاة) للحدود بالسلطات الحكومية.
• صراعات الرعاة مع المزارعين.
• سهولة اختراق الحدود.
• إغراء الجماعات المتطرفة للشباب بالمال لينضموا إليها، مستغلة أن هناك 5 ملايين يبحثون عن فرصة عمل في دولة تعدادها 21 مليون نسمة، أي 25% من السكان لا يعملون.
• الانقسام والصراع الديني بين المسلمين والمسيحيين.
تنتشر تمركزات الجماعات الإرهابية بشكل خاص في شمال بوركينا فاسو الغني بالموارد، والقريب من مناطق يسيطر عليها الإرهابيون في مالي.
كذلك تتمركز في منطقة ليبتاكو غورما (منطقة الحدود الثلاثية لمالي والنيجر وبوركينا فاسو)؛ حيث يسهل تهريب الأسلحة والبضائع والمخدرات والمسلحين والمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود، وهي مصادر تمويل رئيسية للإرهابيين.
لقي أكثر من 10 آلاف مدني وجندي وشرطي حتفهم، وفقا لإحصاءات المنظمات غير الحكومية، بينما نزح ما لا يقل عن مليوني شخص بسبب الهجمات الإرهابية.
تمدّد في الجوار
تتشابه وتتشابك أسباب تمكين الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو ودول الجوار (غينيا، سيراليون، ليبيريا، ساحل العاج، غانا، توجو، بنين، نيجيريا، الكاميرون، غينيا الاستوائية، الغابون)؛ ما سهَّل تمدّد عملياتها وفروعها.
وفق المحلل السياسي التوغولي محمد مادي غاباكتي، فإن الإرهابيين يتسللون إلى المنتزهات الطبيعية الكبيرة في هذه الدول، وينفّذون هجماتهم ضد القوات الأمنية ومؤسسات الدولة.
تسعى الجماعات الإرهابية إلى ضم عناصر جديدة من بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وغينيا والسنغال، وتدرّبهم في بوركينا فاسو أو مالي قبل إعادتهم للقتال في بلدانهم لصالحها.
هذا التمدد في الهجمات والاستقطاب قد يؤدّي لزيادة معدل النزوح والهجرة بشكل يضاعف الضغوط على دول شمال إفريقيا وأوروبا التي تعاني تدفقات الهجرة غير الشرعية.
تستضيف ساحل العاج نحو 18000 لاجئ من بوركينا فاسو، أي أكثر من ضعف العدد لعام 2022، وفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.