بينما يتواصل الانقسام الأوروبي حوله، أعلنت النمسا اعتزامها الانضمام لدرع السماء الأوروبي، وهو المشروع الذي أطلقته ألمانيا قبل أشهر لمواجهة تحديات ما بعد حرب أوكرانيا، المندلعة في عقر الدار الأوروبية منذ نحو عام ونصف العام.
وشدد المستشار النمساوي، كارل نيهامر، في بيان على أنهم يتخذون احتياطات لحماية بلدهم من مخاطر التعرض لهجمات بصواريخ أو بطائرات مسيرة.
واعتبر أن "هذا القرار لا يؤثر على وضع بلاده كدولة محايدة، علما بأنها عضو في الاتحاد الأوروبي منذ 1995" .
ومشددا على أنه "لا يمكن لأي دولة أوروبية أن تضمن بمفردها دفاعا فعالا عن مجالها الجوي ضد الأخطار الجديدة".
انقسام المواقف
وكانت 17 دولة أوروبية قد أعلنت قبل الإعلان النمساوي عزمها الانضمام للمشروع الدفاعي الألماني، 16 منها منضوية في حلف الناتو كبريطانيا، وجمهوريات البلطيق الثلاث، وبلجيكا وهولندا وفنلندا، والنرويج، أما الدولة المتبقية فهي السويد، المرشحة لعضوية الحلف الأطلسي.
في المقابل، ترفض دول أوروبية كبيرة، كفرنسا وإيطاليا وبولندا، الانضمام لهذا المشروع الدفاعي الأوروبي المشترك، إذ تطالب باريس خاصة بأن تتولى كل دولة أوروبية حماية نفسها بواسطة أسلحة أوروبية.
البداية
وكان المستشار الألماني، أولاف شولتز، قد كشف في شهر أكتوبر الماضي، عن مبادرة "درع السماء الأوروبية"، الهادفة لبناء منظومة دفاع جوي وصاروخي في أوروبا، عن طريق شراء أسلحة ومعدات بشكل مشترك، حيث يقوم المشروع على شراء الدول الأعضاء فيه بصورة جماعية منظومات دفاعية مختلفة تتكامل مع بعضها البعض لحماية السماء الأوروبية.
منظومات دفاع المشروع
ويعتمد المشروع الألماني على 3 أنظمة للدفاع الجوي هي، نظام "آيرس-تي" الألماني للدفاع قصير المدى، ونظام "باتريوت" الأميركي للدفاع متوسط المدى، ونظام "آرو-3" الأميركي-الإسرائيلي للدفاع بعيد المدى.
ويرى مراقبون أن الخلاف الفرنسي الألماني حول درع السماء الأوروبية، سينعكس سلبا على تعزيز الوحدة السياسية والدفاعية لأوروبا، في ظل تحولات عالم ما بعد حرب أوكرانيا وتعدد الأقطاب المتنامي.
وأن فكرة تكريس أوروبا كقطب عالمي قائم بذاته، والتي لطالما راودت تاريخيا زعماء أوروبيين، تصطدم بواقع تباينات التحالفات والرؤى والمصالح بين كبريات دول الاتحاد الأوروبي.
يقول الباحث والخبير في الشؤون الأوروبية ماهر الحمداني، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية":
- هذا المشروع بالغ الحساسية وقد يفجر انقساما أوروبيا مزمنا وطويل الأمد، والذي كانت قد بدأت إرهاصاته قبل نحو 5 سنوات، حين اتفق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، على إنشاء قوة عسكرية موحدة لحماية أوروبا.
- رحيل ميركل واندلاع حرب أوكرانيا والتدخلات الأميركية، سرّع ذلك كله بتبلور انقسام جوهري بين بلدان القارة العجوز حول مستقبل الدفاع عن أوروبا وآلياته.
مبررات الرفض
السبب الرئيسي لرفض فرنسا للخطة الألمانية، هو أن باريس ترى أن شراء أسلحة غير أوروبية ضمن هذه الدرع، سيضر بقطاع صناعة الأسلحة الأوروبية وتتصدرها فرنسا كما هو معروف.
وهو ما يفرغ المشروع من محتواه وفق باريس، والذي يفترض أن يعزز استقلالية أوروبا واعتمادها على نفسها في الدفاع عن أجواءها، حتى أن ماكرون ذهب لحد وصف درع السماء هذا ببذرة خلاف مستقبلي مزمنة في أوروبا.
كما أن إيطاليا أيضا تتحفظ عليه، كونه خصوصا لا يغطي كافة الأجواء الأوروبية ومنها الأجواء الإيطالية وأجواء جنوب القارة عامة، علاوة على أن الشركات المصنعة لمنظومات الدفاع الجوي الفرنسية تعتمد في غالبها على عقود تعاون مع الشركات الإيطالية، وهذا ما يجعل روما متضررة من عقود شراء الأسلحة من الولايات المتحدة وإسرائيل وفق الخطة الألمانية.
الاعتراض البولندي مرده أن أجواء بولندا محمية باتفاقات مع الولايات المتحدة تعود للعام 2008 و2010، وبالتالي فوارسو ليست مستعدة لصرف أموال على منظومة لا تستفيد منها شيئا، أي بمعنى أنها غير معنية بها.
مبررات التأييد
أما الدول الأوروبية المؤيدة للمشروع، فتستند في مواقفها على ما كشفته أزمة أوكرانيا من فراغ أمني خطير في أوروبا التي بدت مكشوفة الأجواء، رغم كون معظمها يندرج في سياق حلف الناتو وتعتمد على مظلة الحماية الأميركية والأطلسية لها.
لكن تداعيات حرب أوكرانيا أثبتت وفق هذه البلدان، ضعف منظومات الدفاع الأوروبية وتخلف القارة عامة عن مواكبة ركب ما يعيشه العالم من تقدم، في مجال الصناعات العسكرية والمنظومات الدفاعية.