أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الجدل والأسئلة خاصة بعدما قال فيها إن على أوروبا أن تنتهج سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة والصين وأن تكف عن التبعية لواشنطن، لكن خبراء ومسؤولين سابقين يقللون هذه التصريحات لكون إخراجها إلى حيز الوجود يتطلب عملا أكثر بكثير من الكلمات.
وكان ماكرون قد أدلى بتصريحات لافتة في مقابلة مع صحيفة "ليزيكو" الفرنسية في أعقاب زيارته إلى الصين، والتي رافقته فيها رئيسةالمفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.
وقال ماكرون في المقابلة:
- بدء تقليل اعتماد أوروبا على الدولار الأميركي.
- يجب إيقاف تبعية أوروبا للولايات المتحدة وتحقيق استقلال القارة الاستراتيجي.
- ضرورة تقليل اعتماد أوروبا على السلاح ومصادر الطاقة الأميركية.
- تجنب الانجرار لمواجهة بين بكين وواشنطن بشأن أزمة تايوان.
وتناولت "سكاي نيوز عربية" تصريحات الرئيس الفرنسي وأجرت حوارا مطولا مع خبراء ومسؤولين سابقين من العواصم المعنية، وقالوا إن هناك تعقيدات كثيرة تحول دون تطبيق رؤية ماكرون، لكنها على أي حال كانت محل ترحيب صيني.
وأروا أن ماكرون حقق ويمكنه تحقيق استقلال بعيدا عن الولايات المتحدة في مجالات عدة مثل الموقف من تايوان والصفقات التجارية، لكن في الأمور الاستراتيجية الكبرى، يبدو الأمر متعذرا ويحتاج إلى عمل كبير.
"حرب أوكرانيا أظهرت أهمية الناتو"
- يقول الباحث والأكاديمي الفرنسي، جان بيار ميلالي، من باريس إنه من المبكر الحكم على تصريحات ماكرون بأنها تغيير جذري.
- وذكر أن المعقلين منقسمين، فهناك من يعتقد أن الزيارة كانت فاشلة ومن اعتبرها خطوة إيجابية وضرورية لإعادة التواصل مع الصين نظرا لذلك لأهمية تلك البلاد على المستوى الدولي.
- وقال: "لا بد من الانتظار كي نحكم على أهمية الزيارة المهمة أصلا".
- أضاف أن هناك تباينا بين الموقف الأميركي والموقف الفرنسي بشأن تايوان، كما أن لفرنسا حضور في المحيطين الهندي والهادئ يتقرب إلى مليون نسمة ولا يمكن لفرنسا أن تدخل في هذه القضية باستخفاف، فإغلاق مضيق تايوان سيكون كارثيا لها.
- ماكرون يمثل فرنسا وله طموح بأن يمثل أوروبا كذلك، وباصطحاب أورسولا فون دير لاين أراد أن يجسد الموقف الأوروبي.
- كان هناك شق اقتصادي بارز في الزيارة مثل افتتاح مصنع طائرات في "إيرباص" الأوروبية قرب بكين، واستغل ماكرون تراجع الولايات المتحدة عن فتح مصنع لشركة "بوينغ" بسبب التوترات مع الصين.
- قال إن علاقات بروكسل مع الولايات المتحدة لا تمنع تجسيد رؤية أوروبية خاصة في الحياة الدولية. وفي الماضي، غامرت الولايات المتحدة وشنت الحرب على العراق التي لم تكن مبررة ولم تكن تؤيدها فرنسا.
- فرنسا اول دولة غربية كبرى اعترفت بالصين وخالفت بذلك موقف الناتو.. هناك خصوصية فرنسا تتمسك بها.
- ومع ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا أظهرت أن لا فرنسا ولا الدول الأوروبية قادرة على أن تدخل الميدان الاستراتيجي بدون الناتو، الذي هو عبارة عن يد طولى للولايات المتحدة.
- أظهرت الحرب أيضا نفع هذه المنظومة الاستراتيجية الكبرى التي تعود إلى الحرب الباردة.
- نحتاج أن نرى تقدما ملموسا في إطار الاستقلالية الاستراتيجية.
ترحيب صيني بموقف ماكرون
- أما في بكين، فيرى جون نونغ، أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة الاقتصاد الدولي الصينية أن موضوع الزيارة كان العلاقة بين فرنسا والصين وليس عن العلاقات الصينية الأوروبية.
- الصين رحبت بتعليقات ماكرون بشأن تايوان، وهذا مهم جدا إذا نظرنا إلى تصريحات مسؤولي الناتو الذي يتوسع إلى الشرق وفي المحيطين الهندي والهادئ ولديه شراكات مع دول مجاورة للصين.
- توسع الناتو مقلق للصين كما يحدث في أوكرانيا.
- إن موقف ماكرون يرضي الصين، وخاصة اعتباره تصرفات الولايات المتحدة تأجيجا للأزمة في تايوان.
- نرحب بموقف فرنسا بالابتعاد عن هذه القضية وهذا أهم شيء تحقق في الزيارة إلى الصين.
"الفرنسيون يقولون كثيرا ويفعلون قليلا"
- يقول الدبلوماسي الأميركي السابق، بريت بروين، إن الفرنسيين متأخرون في الدعم العسكري المقدم لأوكرانيا، رغم أنهم يتحدثون كثيرا في هذا الأمر، فحين يتعلق الأمر بتقديم الأسلحة، تأتي في الصدارة الولايات المتحدة وبريطانيا وذيل القائمة تأتي فرنسا.
- تحدثت كثيرا مع الدبلوماسيين الفرنسيين. إنهم يتحدثون كثيرا ويفعلون قليلا وهذه هي الحالة وعلينا أن ندقق فيما يستطيع الرئيس والحكومة الفرنسيان فعله.
- حين يتحدثون عن الانفصال والابتعاد عن الولايات المتحدة فهذا يتطلب أكثر من الكلمات وأن يستثمروا كثيرا في حماية أماكن ضرورية مثل تايوان وأوكرانيا.
- النفوذ الأميركي ضعف حول العالم فهناك دول تبتعد عن الولايات المتحدة أو تتحداها، لكن فرنسا ليست في موقع قوي لتلعب دورا قياديا في العالم لأنها عليها أن تضع المصالح الدولية قبل مصالحها.
- حاول ماكرون أن يستعمل العلم الأوروبي في زيارة بكين، بينما كان يبحث عن المصالح التجارية الفرنسية.
"الأفكار جيدة لكن الشيطان في التفاصيل"
- يقول أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة ستافورد، أورليك بروكنير، إن الرئيس الفرنسي يطرح أفكارا بين حين وآخر.
- من الجيد أن يكون لدى القائد السياسي رؤية لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، فمثلا هل ستوافق دول شرق أوروبا على الأطروحات القادمة من باريس؟
- إنه ماكرون يحب الرؤية وهذا مختلف عما نراه في ألمانيا فأولاف شولتس لا يتحدث كثيرا.
- إنه أمر جيد أن يكون هناك قائد أوروبي لدولة أوروبية قوية وكبيرة مستعد لاتخاذ دور أوروبي إذا سمحت له دول القارة بذلك.