عشية دخول الحرب عامها الثاني ومع استمرار التقدم الميداني الروسي شرقي أوكرانيا، تتواتر التصريحات والمواقف الغربية المحذرة من حراجة موقف كييف العسكري، وضرورة تقديم المزيد من الدعم والأسلحة لها للثبات أمام الروس، والتحذير من مغبة انتصار موسكو.
وآخر التصريحات، تلك التي أطلقها الأحد، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وكشف فيها أن أوكرانيا في وضع حرج، مطالبا الغرب باتخاذ قرارات حاسمة، وذلك خلال كلمة بمؤتمر ميونيخ للأمن شدد فيها أيضا على أن "هناك الكثير الذي يتعين فعله وبسرعة أكبر.. علينا زيادة دعمنا العسكري وتسريعه".
وتهيمن الحرب في أوكرانيا على أجواء ونقاشات المؤتمر في نسخته التاسعة والخمسين. ورغم تأكيد كبار قادة الدول الغربية كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، على ضرورة المضي بدعم أوكرانيا في وجه روسيا، لكن كان واضحا أن ذلك الدعم لن يذهب لحد الوصول لدرجة المواجهة المباشرة بين روسيا والغرب، وهو ما عبر عنه خاصة المستشار الألماني، حين شدد على السعي لايجاد توازن بين الدعم العسكري لأوكرانيا وعدم اندلاع حرب مع روسيا.
"استنزاف".. بلا مواجهة مباشرة
مراقبون يرون أن مواقف ماكرون وشولتز تكشف عن ملامح التوجه الأوروبي العام للتعاطي مع ملف الحرب الأوكرانية في عامها الثاني، والذي لن يختلف كثيرا، وفقهم، عن ما هو حاصل منذ بداية اندلاع هذه الحرب في 24 فبراير الماضي، والقائم على استنزاف موسكو في "المستنقع" الأوكراني عبر تقديم السلاح ومختلف أشكال الدعم لكييف، لكن دون الدخول مباشرة في الحرب مع روسيا.
واعتبروا أن كلام بوريل عن إجراءات حاسمة لرفع وتيرة دعم كييف والذي يبدو أقرب للموقف الذي عبرت عنه نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس خلال المؤتمر، قد يصطدم مع مخاوف بعض الدول الأوروبية من احتمالات توسع الحرب نحو القارة العجوز، وهو ما سيعقد الوضع أكثر.
خط أحمر
يقول الباحث السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية ماهر الحمداني، والمقيم ببرلين في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية":
- الانجرار نحو المواجهة المباشرة مع موسكو هو خط أحمر في ألمانيا وفي مختلف الدول الأوروبية لجملة عوامل أبرزها، اختلال توازن القوى العسكرية لصالح روسيا، علاوة عن عدم ثقة برلين وعواصم أوروبية أخرى كثيرا بمظلة حماية الناتو لها.
- فالألمان مثلا يتذكرون جيدا الدرس التاريخي قبل الحرب العالمية الثانية، حينما غضت بريطانيا وفرنسا الطرف عن شروع هتلر في التسليح وتقوية قدراته العسكرية لتوظيفه ضد المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي آنذاك، رغم وجود معاهدات دولية في ذلك الحين تمنع تسلح ألمانيا، وفي النتيجة حلت الكارثة على البلاد بفعل ممارسات النظام النازي ولتتلقى هزيمة قاسية خلفت كارثة وطنية وإنسانية في ألمانيا.
- ولهذا برلين تتجنب التورط مجددا في حرب مع موسكو كما حدث آنذاك، خاصة وأنه قد يتخلى عنها الحلفاء في الناتو، حيث تتخفى الكثير من العواصم الأطلسية وراء حائط الصد الألماني محاولة وضع برلين في عين العاصفة الروسية، والضغط على الألمان لإرسال معدات عسكرية متطورة كدبابات ليوبارد 2 لأوكرانيا، في حين تتردد واشنطن مثلا عن الإقدام على مثل هذه الخطوة وهو ما يثير الشكوك لدى الساسة الألمان الحريصين على تجنب الصدام المباشر مع الروس.
صراع تحت السيطرة
فيما يقول الكاتب والباحث بالعلاقات الدولية طارق سارممي، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية":
- واضح أن ميزان الكفة العسكرية يميل لصالح موسكو رغم كل الدعم الغربي لكييف، وهذه التصريحات الداعية لتقديم المزيد من السلاح لأوكرانيا، هي كصب الزيت على نار الحرب المندلعة في عقر الدار الأوروبية، وهي قد تكون مفهومة في حال سعيها لضمان تحقيق التوازن العسكري بين طرفي الحرب تمهيدا للركون لخيار المفاوضات والحلول السلمية، أما إذا عنت الدفع نحو السعي لإلحاق الهزيمة بروسيا فهي لا تسهم في تسوية الصراع بل في تأجيجه.
- نحن على أعتاب سنة ثانية منذ اندلاع أخطر أزمة وحرب دوليين منذ الحرب العالمية الثانية، وكلما طال أمد هذه الحرب فإن خطر توسعها نحو مختلف البلدان الأوروبية هو حقيقي، ولهذا فالأجدى الآن هو تقديم مبادرات الحل السلمي وتغليب الدبلوماسية.
- زيادة تدفق السلاح الغربي لكييف، سترفع من احتمالات وقوع المواجهة المباشرة بين الطرفين الروسي والأطلسي، ولهذا فالتوازن الذي تحدث عنه شولتز يبدو تحقيقه ليس باليسير، لكنه مع ذلك معطى باتجاه إبقاء الصراع رغم شدته تحت السيطرة ووفق إيقاع مضبوط.