قفز موضوع إعادة إعمار أوكرانيا التي تشهد حربا منذ نحو عام، إلى صدارة التصريحات السياسية الغربية، التي تركز على تمويل هذا الأمر من الأموال الروسية المجمدة، رغم ما ينطوي عليه الأمر من مخاطر وعقبات.
وخلال مؤتمر ميونخ للأمن الذي ينعقد بين 17 و19 فبراير، كان توجه إجبار روسيا على تمويل إعادة إعمار أوكرانيا واضحا في حديث المسؤولين الأوروبيين.
مسؤولون أوروبيون: روسيا يجب أن تدفع
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إنه لا يمكن تصور أن روسيا لن تدفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا التي تشن عليها حربا منذ 24 فبراير 2022.
وفي السياق ذاته، قال رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، إن يجب على الحلفاء الغربيين إيجاد طريقة تجبر روسيا على دفع أموال إعادة الأعمار.
وبدأ هذا الاتجاه في أواخر يناير الماضي، عندما دعا رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، قادة الاتحاد لاستخدام نحو 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة لديهم لإعادة إعمار أوكرانيا، خاصة مع تصاعد حجم الدمار في البلاد وفي ظل انعدام أفق لنهاية الصراع.
وأضاف ميشيل في مقابلة مع "فايننشال تايمز" البريطانية نشرت في 23 يناير أنه سيبحث مع قادة الاتحاد فكرة تحويل تلك الأموال الروسية نحو جهود إعادة الإعمار.
300 مليار دولار لروسيا
وجمّد الاتحاد الأوروبي مئات المليارات من الدولارات في حسابات تعود إلى البنك المركزي الروسي مع اندلاع الحرب.
وتقول موسكو إن العقوبات الأوروبية المفروضة على البنك المركزي الروسي جمّدت 300 مليار دولار من احتياطاته من النقد الأجنبي.
وبعد التجميد، طرح مسؤولون أوروبيون وعلى رأسهم مسؤول السياسة الخارجية والدفاعية في الاتحاد، جوزيف بوريل، فكرة الاستيلاء على الأصول الروسية للمساهمة في إعادة إعمار أوكرانيا.
العقبات والمخاطر
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، على الأقل من وجهة نظر إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي تشكك في شرعية خيار كهذا.
ويقول الكاتب والباحث السياسي، حسين عمر، من بروكسل في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" إن النية التي عبر عنها المسؤولون الأوروبيون تتعارض مع القوانين الأوروبية والأميركية نفسها.
ويضيف عمر أن الخطوة، في حال تنفيذها، ستشكل سيفا ذو حدين، فهي من جهة ستنفذ الرغبة الأوروبية، ومن جهة أخرى، ستكون مبررا للدول الأخرى لتجميد الأموال الغربية لديها والاستيلاء عليها بحجة الأضرار التي الحقها الغرب بتلك الدول.
ولكن الأهم، بحسب عمر، هو "أن الاستيلاء على أموال دولة ومواطنيها يشكل انتهاكا لقوانين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبقية الدول المتحالفة معهم، ولهذا سمعنا الكثير من الأحاديث في هذا الصدد ولكن لم نر لها تنفيذ حتى اللحظة".
وليس هذا فحسب، فوفقا للكاتب والباحث السياسي "الغرب لا يمكنه إثبات أن تلك الأموال تكدست من خلال نشاطات إجرامية قام بها أصحاب تلك الشركات، كما أن الحصانة السيادية هي ما تمنع تلك الدول من استخدام أموال البنك المركزي الروسي المجمدة لديهم".
ويشير إلى أن الضغوط السياسية المتوقعة من قبل روسيا وحلفائها في الصين والهند وجنوب إفريقيا ستجعل من استخدام الأموال المجمدة مشكلة، وستخلق بالتالي أزمة عالمية وحتى أزمة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه الذي لم يتفق حتى الآن على آلية معينة للاستيلاء على الأموال الروسية.
ويقول إن أمرا كهذا سيدفع دولا مثل الصين وبقية الدول التي لديها أموال وودائع واستثمارات في أوروبا وأميركا وكندا إلى مراجعة أولوياتها، والبدء بسحب تلك الأموال لتجنب مخاطر مستقبلية ممكنة.
الموقف الروسي
يقول الباحث الروسي، يفغني سيدروف، في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية" إن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا التصرف.
واعتبر سيدروف هذا الموقف الأوروبي، في حال تم، "انتهاكا فظا للقانون الدولي"، مؤكدة أن اتجاه الأوروبيين نحو تحويل الأموال لإعادة إعمار أوكرانيا لا تملك أسسا قانونية.
وتوقع أن ترد روسيا بالمثل في حال استولى الاتحاد الأوروبي على أموالها المجمدة، مشيرا إلى أن الإجراءات الروسية قد تتخذ في وقت قريب وسيكون لها تداعيات.
ويعتقد أن الإجراءات الروسية قد تكون مماثلة، فإذا كان الأوروبيون يجمدون الأموال والأصول الروسية، فقد ترد روسيا بتجميد أصول أوروبية على أراضيها، ردا على "الخطوة العدائية الروسية".
ومع ذلك، أكد الباحث السياسي الروسي أن هذا الأمر يبقى مجرد فرضية ويحتاج الأمر إلى الانتظار كي تتضح الصورة.
أوكرانيا تستعد لإعادة الإعمار
وبالفعل، بدأت أوكرانيا في الاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار.
- وقعت وزارة الاقتصاد الأوكرانية، قبل أيام، مذكرة تفاهم بنك "جي بي مورغن تشيس" الأميركي، الذي يعد أكبر بنك في الولايات المتحدة، يقدم بموجبها البنك المشورة إلى كييف بشأن كيفية تمويل إعادة الإعمار.
- ومن المتوقع أن يعمل البنك على ربط كييف مع المستثمرين الراغبين في تمويل إعادة الأعمار وتحديث البلاد.
- تكلفة الإعمار ضخمة وهي في تزايد مستمر في ظل استمرار الحرب، وكانت تقديرات سابقة في سبتمبر الماضي قالت إن التكلفة تبلغ 375 مليار دولار أميركي، وفق البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
- الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، توقع العام الماضي أن تتجاوز تكلفة إعادة الإعمار تريليون دولار مع استمرار القتال.
بيانات عن الخسائر وفق كلية كييف للاقتصاد:
- تدمير 149300 مبنى سكني تنقسم إلى 131400 منزل خاص و17500 شقة.
- أكثر من 3 آلاف مؤسسة تعليمية من الحضانات إلى الجامعات تضررت أو دمرت.
- مئات المستشفيات والمؤسسات الدينية والثقافية وغيرها.
- تقدر الحكومة الأوكرانية بأن أكثر من 160 ألف كيلومتر مربع من أراضيها، أي ما يوازي مساحة دولة مثل تونس، باتت مزروعة بالألغام وملوثة بالقذائف غير المتفجرة، وهذا ما يحتاج إلى أموال كثيرة من أجل إزالتها.