كشفت صحيفة "واشنطن بوست"، يوم الجمعة، أن الغرب يخوض حربا استخباراتية ضارية ضد "جواسيس روسيا"، منذ أن تدهورت العلاقة بين الطرفين، على خلفية العمليات العسكرية الجارية في أوكرانيا.
ونشرت "واشنطن بوست" تفاصيل توقيف مواطن ألماني، يشتبه في أنه اخترق أجهزة الاستخبارات في برلين، وكان يعمل لفائدة موسكو، ثم جرت الإطاحة به في يناير الماضي.
وأورد المصدر أن الشخص المشتبه في عمالته لروسيا، لم يكن يدري وهو على متن طائرة تجارية بين فلوريدا وميونيخ، أن عنصرا من مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" يجلس على مقربة منه، ويراقبه عن كثب.
ونقلت الصحيفة عن مصدر غربي دون ذكر اسمه، أن عنصر "إف بي آي" سافر على متن الطائرة حتى يراقب العميل المشتبه، والتأكد من اقتياده إلى السجن لدى الوصول إلى ألمانيا.
وجرى توقيف آرثور إلير، في 21 من يناير الماضي، استنادا إلى معلومات واسعة جمعها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بينما كان العميل المشتبه فيه يزور ولاية فلوريدا.
حملة واسعة
ولا تقتصر المواجهة بين الغرب وموسكو على الساحات الملتهبة في أوكرانيا، بل ثمة حربٌ خفية تجري وراء الكواليس، وقلما تخرج تفاصيلها إلى العلن.
وذكرت "واشنطن بوست"، أن الأوروبيين كثفوا بمعية واشنطن، الحملة ضد الجواسيس الروس، منذ بدء الحرب في 24 من فبراير 2022، في محاولة لاصطياد أكبر عدد ممكن من العملاء.
وتنظر الدول الغربية إلى الحملة ضد "العملاء الروس" بمثابة أمر لا محيد عنه، في خضم تقاطر المساعدات العسكرية على كييف، لأن افتضاح التفاصيل من شأنه أن يسدي خدمة كبرى لموسكو.
في حالة الجاسوس الألماني، مثلا، أدت العملية إلى إطاحة مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات الخارجية بألمانيا المعروف اختصارا بـ"BND"، ثم توالت عمليات توقيف عملاء آخرين في هولندا والنرويج والسويد والنمسا وبولندا وسلوفينيا.
وتتواصل الحملة ضد العملاء الروس، فيما سبق للدول الأوروبية أن طردت أكثر من 400 ديبلوماسي روسي، خلال العام الماضي، وسط مخاوف غربية من استمرار وجود عدد كبير من الجواسيس إلى الآن، حتى وإن كان الخناق قد ضاق عليهم.
وتشير تقديرات غربية، إلى أن وكالات الاستخبارات الروسية تكبدت أضرار كبرى، في العام الماضي، على نحو لم تشهده منذ نهاية الحرب الباردة، لأن السلطات الروسية صارت تجد صعوبة في التحرك الاستخباراتي داخل أوروبا، بسبب العقوبات.
وحتى المخبرون الذي يعملون لفائدة روسيا في دول أوروبية، وقد نجوا من الحملة، ربما يجدون صعوبة في إيصال المعلومات إلى السلطات المعنية في موسكو، بسبب القيود المفروضة، بحسب "واشنطن بوست".
وتحتاج روسيا بشدة إلى عملاء في أوروبا من أجل الحصول على معلومات أدق وأوفى بشأن المساعدات العسكرية التي يجري إرسالها باستمرار إلى أوكرانيا، فيما يقول مدير جهاز الاستخبارات الخارجية في فنلندا، آنتي بالتاري إن "العالم يبدو مختلفا أمام الأجهزة الروسية في الوقت الحالي".
حيلٌ روسية للالتفاف على العقوبات
تقول "واشنطن بوست إن روسيا ركزت على المجال السيبراني، حيث تنتفي الحدود التقليدية، وهو مضمار بات ذا قدرات كبيرة في عالم اليوم، لأن الاختراق عن طريق الإنترنت قد يقود إلى "كنوز" ثمينة من المعلومات.
الحيلة الثانية بحسب المصدر هي جعل العملاء يتسللون إلى دول أوروبية، وسط طالبي اللجوء، مثل أشخاص عاديين، حتى لا تتمكن السلطات من رصدهم وإبعادهم.
لكن هذه التكتيكات الروسية لا تجدي نفعا، بحسب خبراء غربيين، لأن العناصر الجدد لا يتمتعون بخبرة كبيرة على غرار سابقيهم، كما يفتقرون إلى مصادر موثوقة على الأرض، مقارنة بالديبلوماسيين الذين طردوا إثر اعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم.
وفي حيلة أخرى، يقول مصدر غربي إن روسيا حاولت على الأرجح أن تبعث بعض الديبلوماسيين المطرودين إلى دول أوروبية لم يخدموا فيها من ذي قبل، مراهنة في ذلك على عدم وجود قدر كاف من التنسيق بين العواصم الأوروبية.
ونقلت "واشنطن بوست" عن مصدر غربي، أنه ليست ثمة شكوك في أن روسيا مصممة على إعادة رص صفوفها الاستخباراتية في أوكرانيا، مهما كانت الصعوبات القائمة حالي.
حضور روسي مستمر
ورغم شدة هذه الحملة الغربية ضد التجسس، ذكرت "واشنطن بوست" أن العملاء الروس ما زالوا يثيرون المخاوف في العواصم الأوروبية.
فقبل شهر من اعتقال الجاسوس الألماني الذي عمل لصالح روسيا، تمكنت السلطات الألمانية من توقيف شخص آخر يسمى كاستين لينكي، في الثانية والخمسين.
والشخص الموقوف تولى مهمة حساسة للغاية داخل جهاز المخابرات الخارجية لألمانيا، لأنه كان مسؤولا عن الأمن الداخلي، وذا قدرة على الوصول إلى ملفات الموظفين.
وقبل ذلك، كان العميل الموقوف قد قضى عدة سنوات وهو يعمل في منشأة مهمة ذات امتداد كبير في منطقة بافاريا، حيث تولى المسؤولية عن عمليات تقنية مرتبطة باستهداف شبكات معلومات دولية.
ولم يكتشف الألمان أمر العميل الذي اخترق أجهزتهم الخارجية، إلا بمساعدة دولة وصفت بـ"الحليفة"، دون الكشف عمن تكون على وجه التحديد.
وفي سبتمبر الماضي، قادت عملية مشتركة إلى اكتشاف أمر صادم مفاده أن روسيا استطاعت الحصول على وثائق استخباراتية ألمانية مدرجة ضمن خانة السرية.
ونظرا لعمق هذا الاختراق ومدى خطورته، فقد بادرت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وحكومات أخرى إلى زيادة التعاون مع برلين، لأجل الحؤول دون تكرار ما حصل مرة أخرى، حتى وإن كان عالم التجسس قابلا لحدوث المفاجآت والاختراقات على نحو دائم.