حددت السلطات النيجيرية 10 فبراير موعدا نهائيا لسريان أكبر ثلاث فئات من عملتها الوطنية "النيرة"، في خطوة تهدف لتغيير العملة القديمة وإدخالها النظام المصرفي بغية تجفيف موارد الإرهاب والفساد.

ومع اقتراب الموعد النهائي، تشهد البنوك ازدحاما كبيرا من المودعين الذين يقضون أكثر من 6 ساعات في صفوف طويلة أمام المصارف.

وقال الخبير الاستراتيجي، سليمان علي، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن خطوة تغيير العملة تهدف في المقام الأول لامتصاص السيولة المتداولة خارج النظام المصرفي والضريبي والمقدرة بنحو 70 في المئة من إجمالي الكتلة النقدية في البلاد والمقدرة بنحو 4 تريليون نيرة (الدولار يعادل نحو 94 نيرة).

ويشير علي إلى أن معظم الكتلة النقدية الهاربة من المظلة المصرفية والضريبة تتركز في أيدي شبكات إرهابية ومجموعات تمارس أنشطة اقتصادية فاسدة.

ويضيف "يبدو أن حملة تغيير العملة أثارت  الرعب في أوساط الإرهابيين، إذ أشارت تقارير إلى مسارعة بعض المجموعات الإرهابية للتخلص من الأموال الضخمة التي تمتلكها لدرجة أن بعضهم يقوم بتوزيعها على المارة".

وإضافة إلى تجفيف مصادر تمويل الإرهاب والفساد؛ يقول علي إن الخطوة تهدف أيضا إلى تجفيف الأموال التي درجت بعض الأحزاب السياسية على شراء أصوات الناخبين بها، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقررة في الخامس والعشرين من أكتوبر.

وفي ظل الازدحام والهلع الكبير أمام المصارف، اضطر البنك المركزي النيجيري إلى زيادة أيام وساعات العمل في المصارف التجارية والعامة.

وتسبب الازدحام الشديد وصفوف الانتظار الطويلة للمودعين أمام المصارف في شل الحركة والأنشطة التجارية في المدن الكببرة، ويقول محمد ثاني وهو صاحب متجر ملابس في أحد أسواق مدينة لاغوس؛ العاصمة التجارية لنيجيريا، إنه اضطر لإغلاق متجره ليومين من أجل إيداع ما يملكه من نقود دون جدوى.

ويوضح ثاني لموقع "سكاي نيوز عربية"، "تبقت أيام قليلة لمهلة إيداع النقود القديمة التي نملكها وإلا ستصبح مجرد ورق لا قيمة له.. الناس يتدافعون بالآلاف خوفا من الخسارة، نحن نخسر عائد أنشطتنا اليومية من أجل ضمان عدم فقدان كل مدخراتنا".

وفي حين لجأ البعض إلى حيل عديدة لتفادي الوقوف في صفوف الإيداع الطويلة من بينها شراء الدولار والعملات الصعبة الأخرى مما أدى إلى انخفاض النيرة بأكثر من 6 في المئة خلال الأسبوع الحالي، لكنه يشير إلى فشل هذه الحيلة أيضا نظرا لتشديد البنوك إجراءات أي إيداعات بالعملة الأجنبية تفوق قيمتها 10 آلاف دولار؛ إذ يطلب من المودع إثبات مصدر أمواله.

وفي حين لجأ التجار والبائعون إلى رفض استلام العملات القديمة، تقلصت المبيعات بشكل كبير إذ قيد البنك المركزي بشكل كبير سحب العملات الجديدة التي طرحت بالفعل وسط إجراءات مشددة.

عقبات بالجملة

وفي الجانب الآخر؛ وعلى الرغم من الفوائد الاقتصادية والأمنية التي يمكن أن تنجم عن خطوة تغيير العملة النيجيرية، تتزايد المخاوف من تأثر فئات شعبية ليست لها علاقة بشبكات الإرهاب والفساد، إذ يشير بحث أجرته مؤسسة "الشمول" المالية، المتخصصة في رعاية مشروعات الفئات الأقل دخلا؛ إلى أن من بين سكان البلاد البالغ عددهم نحو 200 مليون نسمة فإن 54 في المائة من الأقل دخلا لا يتعاملون مع البنوك ويفضلون توفير أموالهم في مكان آمن في المنزل أو حملها؛ مما يعني أن أكثر من 50 في المائة من هذه الشريحة من السكان قد تفقد مدخراتها إذا فشلوا في استبدال الأوراق النقدية القديمة بأوراق جديدة؛ في ظل الإزدحام الحالي الشديد واقتراب موعد نهاية مهلة الاستبدال.

وفي حين تبدو المكاسب الاقتصادية ومنع تزوير العملة وإدخال المزيد من الأموال تحت المظلة الضريبية؛ هي الأهداف الرئيسية من وراء عملية تغيير العملة النيجيرية؛ إلا أن هنالك اعتقاد واسع بان النتائج التي ستنجم عن تغيير العملة ستكون أكثر وضوحا في كبح جماح شبكات الفساد والجماعات الإرهابية.

وظلت نيجريا تعاني لسنوات طويلة من انتشار الفساد حيث تصنفها منظمة الشفافية العالمية ضمن البلدان الـ25 الأكثر فسادا.

ويعتقد على نطاق واسع أن الآلاف من رجال الأعمال النيجيريين يكدسون أموالا ضخمة خارج النظام المصرفي خوفا من المسائلة.

وبسبب الفساد تدهورت مؤشرات اقتصاد نيجيريا - الأكبر في إفريقيا بناتج إجمالي يقدر بنحو 510 مليار دولار- حيث وصلت الديون الخارجية إلى أكثر من 100 مليار دولار تعادل 13 في المئة من إجمالي ديون القارة الإفريقية.

وفي الجانب الآخر، ومنذ ظهور جماعة بوكو حرام في شمال البلاد في العام 2003؛ وجماعات إرهابية أخرى؛ ظلت نيجيريا تعاني من أعمال إرهابية متواصلة أدت إلى قتل وتشريد عشرات آلاف شخص، خلال العقدين الماضيين ودمرت العديد من البنيات التحتية والموارد.

وتغيرت استراتيجية تلك الجماعات خلال الفترة الأخيرة، حيث باتت تركز على خطف مجموعات من السكان المحليين من أجل الحصول على فدية مالية لإطلاق سراحهم، وهو ما أدى إلى تكدس أموال ضخمة في أيدي تلك الجماعات الإرهابية مكنتها من زيادة هجماتها وتوسيع رقعتها إلى مناطق أخرى في بلدان غرب إفريقيا المجاورة.

ويرى مراقبون أن خطوة تغيير العملة النيجيرية ستسهم في تجفيف مصادر تمويل تلك الجماعات بشكل كبير.

أخبار ذات صلة

تزايد المشاعر المعادية لفرنسا.. استراتيجيات إفريقية جديدة
تكتيكات جديدة..اتساع مخيف للأنشطة الإرهابية في غرب أفريقيا