أثارت وتيرة الأنباء المتداولة في وسائل الإعلام العالمية، منذ يوم الأحد، حول تمكّن الأجهزة الأمنية الأميركية من احتجاز أبو عجيلة خير المريمي، الرجل الليبي المشتبه في مسؤوليته عن صُنع القنبلة التي تم استخدامها لتفجير طائرة "بان أميركان" فوق مدينة لوكربي الأسكتلندية، عام 1988، موجة من الارتياب في أوساط المتابعين لتفاصيل وحيثيات تلك القضية القديمة.

وكان مكتب "التاج الأسكتلندي" قد أعلن، الأحد، أن عائلات القتلى في تفجير لوكربي أُبلغت بأن المشتبه به أبو عجيلة مسعود خير المريمي محتجز لدى الولايات المتحدة، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس"، التي أضافت أن "المدعين والشرطة الأسكتلنديين، الذين يعملون مع حكومة بريطانيا وزملائهم في الولايات المتحدة، سيواصلون متابعة هذا التحقيق، بهدف وحيد هو تقديم أولئك الذين تصرفوا مع المقرحي (في إشارة إلى عبد الباسط المقرحي الذي تمت إدانته عام 2001) إلى العدالة".

والمعروف أن طائرة رحلة "بان أميركان" رقم 103، وهي من طراز بوينغ 747، انفجرت فوق مدينة لوكربي في 21 ديسمبر 1988، مما تسبب في مقتل 270 شخصا.

أخبار ذات صلة

اسكتلندا: واشنطن تحتجز مشتبها به في تفجير لوكربي
الأموال الليبية المجمدة.. مطالبات رسمية تعوقها "المماطلة"

 

التقصير الاستخباراتي ورواية كولمان

يُجمع الخبراء المتخصصون في معالجة الشؤون الأمنية على أن تقصير الأجهزة الاستخباراتية في مجال التعاطي مع الظروف التي هيّأت الأجواء لوقوع حادثة لوكربي يحتاج إلى إعادة النظر في الحيثيات التالية:

  • وصول المبعوث من قِبل جهاز المخابرات العسكرية الأميركية، ليستر كولمان، بصفة مراسل صحفي، إلى جزيرة قبرص عام 1986، للتجسس على نشاطات رئيس مكتب وكالة مكافحة المخدرات في سفارة الولايات المتحدة في نيقوسيا مايكل هارلي.
  • اكتشاف كولمان أن هارلي، ونائبه في الوكالة فرِد غانم، يقومان بتجاوز اُطر الصلاحيات الممنوحة لهما، بموجب القانون الأميركي، عبْر التواصل مع منظمات راديكالية فلسطينية.

"في قبضة الأخطبوط"

وردت هذه الحيثيات في دراسة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارت على موقعه الالكتروني بتاريخ 9 فبراير 2021، وتضمنت التالي:

  • تفاصيل قضية لوكربي التي كان ليستر كولمان قد فنّدها في كتابه الصادر عام 1994 تحت عنوان "في قبضة الأخطبوط".
  • اعتراف المؤلف بأن المخابرات العسكرية الأميركية استهدفَت من وراء إيفاده إلى قبرص التحقّق من مصداقية معلومات كانت قد تلقّتها عن أن "عناصر وكالة مكافحة المخدرات في نيقوسيا يتجاوزون أُطر الصلاحيات التي تحدّدها لهم وظائفهم، من خلال إجراء اتصالات مباشرة مع جماعات راديكالية فلسطينية".
  • إحاطة واشنطن علما بأن رئيس الوكالة مايكل هارلي، ونائبه فرِد غانم، يتواصلان بشكل دوري مع تاجر السلاح والمخدرات السوري منذر الكسّار.
  • اكتشافه لاحقا أن الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة أحمد جبريل يتواصل أيضا، بشكل دوري مع الكسّار، وأن الرجلين اجتمعا، وجها لوجه، قبل أيام قليلة من وقوع حادثة لوكربي في أسكتلندا.

حكاية مجلة الـ"تايم"

يؤكد كولمان أيضا أن العبوة التي فجّرت الطائرة المنكوبة فوق لوكربي كانت في الأصل حقيبة هيرويين مغطّاة أمنيا من قِبل وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، قبل أن يتمّ استبدالها في مطار فرانكفورت، الأمر الذي كانت قد أشارت إليه مجلة الـ"تايم" الأميركية في عددها الصادر بتاريخ 27 أبريل 1992، أي قبل صدور الكتاب بنحو عامين.

واتهمت المجلة منذر الكسّار بأنه ساعد مجموعة أحمد جبريل على وضع الحقيبة الملأى بالمتفجرات في طائرة الـ"بان أميريكان"، بعد أن اتفق الرجلان على ذلك خلال عشاء جمعهما في مطعم باريسي في خريف عام 1988.

وقالت المجلة الأميركية أيضا:

  • إن الكسّار لعب حينذاك "لعبة مزدوجة"، إذ إنه تعاون مع جبريل، ولكنه أبلغ جهات أميركية بالأمر.
  • إن الكسّار أقام علاقات مع مجموعة سرية أميركية مرتبطة بأجهزة رسمية تاجرت بالمخدرات والسلاح بهدف التغلغل في صفوف "منظمات إرهابية" والعمل على تأمين الأجواء اللازمة للإفراج عن الرهائن الأميركيين الذين كانوا محتجَزين في لبنان.

أخبار ذات صلة

"خيانة عظمى".. تحركات عاجلة في ليبيا بعد فتح قضية لوكربي
بعد 19 عاما.. "قضية لوكربي" تقتحم المشهد السياسي في ليبيا

"شراء السلام"

نقلت دراسة المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات عن تقارير إعلامية، مستقاة من مصادر استخباراتية، قولها إن ما يُفترض أن يكون في غاية الأهمية هنا هو التذكير بأنه ما أن تمّ الإعلان عن موافقة الجماهيرية الليبية، عام 2003، على دفع تعويضات بقيمة 2.7 مليار دولار لعائلات ضحايا حادثة لوكربي، حتى سارع وزير الخارجية الليبي (وقتذاك) عبد الرحمن شلقم إلى إطلاق موقف مؤدّاه أن تلك الموافقة لا تعني بالضرورة اعترافا بأن بلاده تتحمل مسؤولية التسبّب بالحادثة، موضحا أن الغاية الأساسية من دفع التعويضات تتمثل في "شراء السلام" عن طريق إغلاق ملف القضية نهائيا، بما من شأنه أن يؤدي حتما إلى رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على ليبيا منذ عام 1992، وبالتالي إلى "فتح صفحة جديدة من العلاقات مع أميركا والغرب".

"طبخة التعويضات"

تقاطَع هذا الموقف بالطبع مع ما أوردَه ليستر كولمان في كتابه، سواء من جهة "الدور المشبوه الذي لعبه منذر الكسّار" في حادثة لوكربي أم من جهة "التقصير الاستخباراتي الأميركي" الذي أدّى إلى التسبّب بها، من دون أن يأخذ، خلال تلك المرحلة، ما يستحقه من الاهتمام.

والأسباب هنا، وفقا لتقارير استخباراتية قديمة ومتجددة، تتمثل في التالي:

  • استواء "طبخة التعويضات" التي بلغَت حصّة كل عائلة من عائلات ضحايا لوكربي منها 10 ملايين دولار على نار هادئة.
  • فحوى الاتفاق الذي أبرمته طرابلس الغرب مع بريطانيا والولايات المتحدة، وفقا لجدول زمني محدّد، نصّ على:
  • أن تدفع ليبيا 4 ملايين دولار، بشكل مبدئي، لكل أسرة بمجرد رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.
  • يلي ذلك دفعة أخرى بالقيمة نفسها عندما تُسقط الولايات المتحدة عقوباتها.
  • ومن ثمّ دفعة أخيرة قدرها 2 مليون دولار لكل أسرة عندما تزيل واشنطن اسم ليبيا من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

تقصير أم خداع؟

يذكر أن ليستر كولمان فرّ في مطلع تسعينيات القرن العشرين إلى السويد وحصل على حق اللجوء السياسي فيها، بعد أن قدّم كل ما لديه من معلومات إلى شركة "بان أميريكان"، وتحديدا بينما كانت الإدارة الأميركية تحاول التنصّل من تحمّل مسؤولية دفع التعويضات، عن طريق إلقاء اللوم على نظام السلامة الأمني لدى الشركة، وقبل أن تُوضع هذه المعلومات على الرف، في أعقاب اكتمال كافة عناصر توجيه الاتهام إلى ليبيا بشكل أدى إلى تغطية "التقصير" بالخداع، بحسب ما جاء على لسان ضابط سابق في جهاز مكافحة الإرهاب التابع للاستخبارات البريطانية في اتصال هاتفي مع موقع "سكاي نيوز عربية".

وقال الخبير المقيم في مدينة برمنغهام، والذي طلب الإشارة إلى اسمه بـ" ر. باترسون"، إن منذر الكسّار، ظلّ يعاني، خلال الفترة الماضية، من أزمات توقيفه ومحاكمته بقضايا مختلفة، تارة عام 1995 بتهمة إمداد المجموعات الفلسطينية التي اختطفت سفينة الركاب الإيطالية "آكيلي لاورو" عام 1985 بأسلحة هجومية، وتارة عام 2004 بتهمٍ تتعلق بمبيعات أسلحة أرجنتينية إلى الإكوادور وكرواتيا، قبل أن يتمّ توقيفه في إسبانيا عام 2006 ويُسلّم إلى الولايات المتحدة عام 2009، حيث حُكم عليه بالسجن لمدة 30 عاما إثر إدانته بالضلوع في "مؤامرة تهدف إلى قتل أميركيين في كولومبيا" عن طريق بيع أسلحة بملايين الدولارات  للقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك).