وضع البنتاغون في تقريره السنوي المتعلق بـ "قوة الصين العسكرية" صورة قاتمة لمستقبل التنافس العسكري بين البلدين، بفعل ما سماه "تقدّم قدرات بيجينغ التسلحية - العسكرية في شكل متسارع مقارنة مع العام الماضي".
ولم يخف التقرير، الذي رُفع إلى الكونغرس، اعترافه بـ "التهديد الذي ستشكله الصين عسكريا خلال السنوات الخمس المقبلة"، ومدى تنامي إمكانات منافستها للولايات المتحدة الأميركية وخصوصا في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ.
وفي هذا الإطار، صرّح المتحدث باسم البنتاغون الجنرال باتريك رايدر عقب نشر التقرير، أن لا شيء سيمنع الولايات المتحدة من الدفاع عن مصالحها القومية في شرق آسيا، وتحديدا عن جزيرة تايوان، التي كشف التقرير أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تتوقع أن يسعى الرئيس الصيني تشي جينبينغ في ولايته الخامسة الى غزوها وضمها بالقوة العسكرية قبل سنة 2027.
وقد تضمن التقرير جزئيات ذات طابع أمني أحيطت بها السرية ولم يتم كشفها إلى العلن، ألا أن النسخة التي وزعت على الصحافيين لحظت أن ثمة مخاطر حقيقية تحدق بأمن أميركا في العقد المقبل، وتفاصيلها جرى إبلاغها إلى اللجان الأمنية والاستخباراتية في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين.
الصين وهدف امتلاك 1500 رأس نووي
ولحظ التقرير، الذي أشرفت عليه وكالتا الاستخبارات المركزية الـ سي آي إيه والعسكرية الـ دي آي إيه في واشنطن، أن وتيرة التسلّح الصاروخي والبحري الصيني تسابق الوقت مقارنة مع الأعوام الخمس الماضية، وأنه من المتوقع أن ينهي الحزب الشيوعي في بيجينغ تنفيذ رؤية جينبينغ في السنوات الخمس المقبلة، والتي ستتيح لجيش التحرير الشعبي الصيني أن يحتل قوة متقدمة تنافس قدرات أميركا قبل حلول سنة 2035.
وفي هذا السياق يقول الخبير في الشؤون الآسيوية توشي أوسيارا من مؤسسة "هيرتدج" اليمينية المحافظة في واشنطن، إن "الصين تبني ترسانة صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية متعددة، إضافة إلى عدد كبير من الغواصات الاستراتيجية والقاذفات النووية والتي صار عددها يفوق ما تمتلكه أميركا"، من دون أن يستبعد "ارتفاع احتمالات المواجهة" معها مستقبلا.
ولعل أبرز ما حمله تقرير البنتاغون، هو أن بيجينغ تعمل على امتلاك أكثر من 1500 رأس حربي نووي، بينها 700 صاروخ عابر للقارات بمسافة تصل إلى 4000 ميل قبل 2030، والتي ستعطيها إمكانات استهداف عمق الأراضي الأميركية.
الغرب قلّل من حجم الاستثمارات الصينية العسكرية
ويقول تقرير وزارة الدفاع الأميركية إن القادة الصينيين استغلوا فترة الحجر الصحي التي فرضها وباء "كورونا" منذ مطلع عام 2020، والتي ترافقت مع عقوبات اقتصادية قاسية فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، لدفع شركات صناعات الأسلحة على تطوير برامجها بتوجيه من مؤتمر الحزب الشيوعي في بيجينغ، والتي وبحسب خبراء في واشنطن تضاعفت طوال سنوات الحجر الصحي بمعدلات عالية.
ويكشف الباحث في الشؤون الاسيوية نيك لاردي من مركز "سي أس آي أس"، في هذا المجال، أن "استثمارات الصين في الصناعات العسكرية ارتفعت خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بنسبة 20 في المئة عام 2020 وبنسبة 32 في المئة العام الماضي"، وذلك في وقت كان الغرب يراهن على تراجع الاقتصاد الصيني وانهيار قدراته الصناعية في مجال الصناعات الاستراتيجية والسيبيرانية والفضائية.
تقييم واشنطن لقدرات الصين العسكرية هذه السنة، يأتي في ظل ارتفاع التوتر بين البلدين وإصرار ادارة الرئيس جو بايدن على مواصلة سياسة "عرض القوة" في المحيط الهادئ وبحر الصين، والتي تنتج عنها يوميا أحداث تحرّش جوي وبحري بين القوات الأميركية والصينية.
وعلى رغم اللهجة المقلقة التي تضمنها التقرير، لم تخف واشنطن رغبتها، بالحفاظ على "سياسة مدّ غصن الزيتون" – أو الرغبة بالتقارب، إذ اعترف التقرير أن الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة مع قادة الحزب الشيوعي هو أمرٌ بالغ الأهمية، وأن لقاءات شبيهة باجتماع الرئيس جو بايدن ونظيره الصيني في بالي بأندونيسيا قبل أسبوعين هو من الأمور التي قد تساعد على تفادي صراع جديد مع قوة صارت بمرتبة عالمية.