بعد أسابيع من الكر والفر والتقدم الميداني الأوكراني، مع شروع موسكو في إجلاء المدنيين في مقاطعة خيرسون خاصة المدينة التي تشكل مركزها، جاء إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الأربعاء، عن انسحاب القوات الروسية من الضفة اليمنى لنهر دنيبرو في خيرسون ليطرح علامات استفهام حول مغزى القرار المفاجئ.

وكانت خيرسون من أول المدن الاستراتيجية الأوكرانية التي وقعت في قبضة الروس مع بدايات الحرب، وتحديدا في 16 من شهر مارس الماضي، مما دفع خبراء لوصف الانسحاب الروسي بأنه "نقطة تحول مهمة" في مسار الحرب المتواصلة منذ 24 فبراير.

تفاصيل القرار

• قال شويغو إن الجنود انسحبوا من ضفة دنيبرو، وسيجري سحب القوات الروسية ونقلها إلى الضفة الأخرى من النهر.

• جاء القرار بعد تسلم الوزير تقريرا ميدانيا من قائد العمليات الروسية في أوكرانيا الجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي اقترح هذا التكتيك كضرورة لتعزيز خطوط الدفاع.

تراجع للقوات الأوكرانية في مقاطعة خيرسون

تراجع أم استدراج؟

يرى خبراء عسكريون أن هذا القرار لم يكن مفاجئا استنادا إلى عمليات الإجلاء الروسية المتواصلة لسكان خيرسون على مدى أسابيع، وأنه يعكس تراجعا عسكريا روسيا أمام التوغل الأوكراني في المنطقة، فيما يعتبر آخرون أن الانسحاب ربما يشكل تكتيكا روسيا لاستدراج القوات الأوكرانية ونصب الفخاخ أمامها.

وفي المقابل، ذهبت تحليلات لاعتبار ما يحدث ربما مقدمة للعودة لطاولة المفاوضات، خاصة أن الحرب شارفت على نهاية شهرها التاسع وسط مؤشرات قوية تفيد باستحالة حسم الأزمة عسكريا.

تأثير الانتخابات النصفية الأميركية

يقول الباحث والخبير في الشأن الروسي مسلم شعيتو لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "هذا الانسحاب كان مقررا مسبقا بعد تعيين القائد الجديد للمنطقة العسكرية في شرق خيرسون، وغالبا فإن تأجيل الانسحاب كان مرتبطا بالانتخابات النصفية الأميركية كي لا يوظف من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه في سياق الدعاية الانتخابية، بتصويره انتصارا وهميا لسياسة واشنطن".

أخبار ذات صلة

بايدن: انسحاب روسيا من خيرسون يظهر "مشاكلها الحقيقية"
روسيا تنسحب من خيرسون.. ماذا يحدث في النقطة الاستراتيجية؟

لكن شعيتو يضيف: "الانسحاب مرتبط بظروف وحسابات عسكرية محضة، أبرزها أن القوات الأوكرانية تسعى جاهدة لتدمير خيرسون كونها تعتبرها مدينة روسية، علاوة على أن الحشود المهاجمة عشرات أضعاف القوى المدافعة عنها، وهو ما يضيق فرص الدفاع عنها بطبيعة الحال".

ويواصل الباحث حديثه قائلا: "لكن هذا لا يعني أن المعركة هناك حسمت، فهذه تراجعات تكتيكية لتجميع القوى وبانتظار التحاق قوات الاحتياط بالجبهات، وحينها ستختلف مجريات الحرب ولا شك، كون خيرسون من المناطق الأربع التي اختارت الانضمام لروسيا، ولن تفرط فيها موسكو أبدا".

ويسترسل الخبير بالشأن الروسي في شرح خلفيات القرار بالقول: "كييف تسعى لتفجير سد كاخوفكا وهو ما سيهدد حياة السكان في مختلف المناطق المحيطة بخيرسون شرقا وغربا، وروسيا لن تسمح بتدمير خيرسون وتحويلها لساحة حرب، لهذا فالانسحاب يندرج في سياق حماية المدنيين والبنى التحتية للمدينة، لكن في حال اعتبار كييف ذلك بمثابة انتصار لها، فإن موسكو ستعلن توسيع الحرب هناك، واعتماد خطط وأساليب أقوى ضد القوات الأوكرانية".

عبء عسكري على موسكو

من جهة أخرى يقول الخبير العسكري والاستراتيجي حسن المومني في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إن "الواقع الميداني في خيرسون يشوبه الغموض والالتباس منذ أسابيع. هناك تقدم عسكري أوكراني وفي المقابل إجلاء روسي للمدنيين، وهو ما اعتبر تمهيدا لانسحاب عسكري روسي من المدينة".

معركة خيرسون.. كر وفر

وأضاف المومني: "هكذا بدا واضحا أن الروس بدأوا يخسرون في خيرسون التي باتت كما يبدو تشكل عبئا على القوات الروسية بالمقاييس العسكرية، فيما القوات الأوكرانية تبدو مصممة على المضي قدما نحو السيطرة على خيرسون واسترجاعها، خاصة في ظل تقدمها الميداني ونجاحها في استعادة مناطق عديدة من المقاطعة".

ويسترسل المتحدث: "التوقيت قد يفهم منه أن الانسحاب ربما يكون خطوة روسية في سياق الحديث المتواتر عن بدء المفاوضات لوقف الحرب، خاصة في ظل ما سربته صحيفة واشنطن بوست عن أن الادارة الأميركية نصحت كييف بإبداء المرونة حول الحوار".

و"قد يكون الانسحاب الروسي بادرة حسن نية لتشجيع المسار التفاوضي الذي قد يتبلور، رغم أنه من المبكر الآن الحديث عن انطلاقه، لكن يبدو أن الأمور ربما تتجه نحو إنتاج عملية تفاوضية سياسية وبتفاهم روسي أميركي وإن كان بشكل غير مباشر. قد يشكل الانسحاب الروسي من خيرسون خطوة تهدف لتسجيل نصر لكييف، يسمح لها بالدخول في العملية التفاوضية مجددا"، كما يقول المومني.