مع تسارع زحف تغيرات المناخ إلى دول الساحل الغربي لإفريقيا، يتزايد الصراع الدموي بين المزارعين والرعاة على المياه والمحاصيل، ليصبح خطرا لا يقل عن خطر الجماعات الإرهابية في إفقار وتهديد استقرار هذه الدول.
وفي ظل ضعف هطول الأمطار في دول الساحل الخمس: موريتانيا، وتشاد، والنيجر،ومالي، وبوركينا فاسو، يحذر تقرير للبنك الدولي عن تغير المناخ في المنطقة، وتعرض 13.5 مليون من السكان للفقر والجوع بحلول عام 2050، نتيجة تصاعد العنف بين المزارعين والرعاة وتنامي الإرهاب.
وشهدت المناطق الحدودية بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي، وبنين وتوغو، صراعات مسلحة على مناطق الرعي والمحاصيل والمياه والماشية، وفقا لتقرير برنامج الأمن والتغير البيئي التابع لمركز ويلسون، مقره واشنطن.
وسجلت دول الساحل 1620 حادثة بين الرعاة وكل من السكان المحليين والميليشيات المتمردة والإرهابية، تسببت في وفاة 5986 من مايو 2019 إلى مايو 2020، كما ترصد منظمة أكليد (Acled) المتخصصة في جمع البيانات حول النزاعات المسلحة.
الجفاف والإرهاب
تقدر الأمم المتحدة أن 80% من المناطق الزراعية في حزام الساحل متأثرة بتغير المناخ، ويخشى باحثو المناخ أن ترتفع الحرارة هناك 3 درجات على الأقل بحلول 2050.
ونتيجة لذلك، فإن موجات الجفاف والفيضانات تزداد تكرارا وهو ما يقوض إنتاج الغذاء، حيث يعمل أكثر من 40% من السكان في الزراعة، ويعتمد 50 مليون شخص على تربية الماشية، في حين أن الأراضي المتاحة للرعاة آخذة في الانكماش.
وفي هذا، يتوقع مركز إفريقيا للدراسات، مقره واشنطن، أن تزيد فرص المواجهات بين الرعاة والمزارعين مع اتجاه الرعاة إلى المناطق الزراعية للاستيلاء على المحاصيل والماشية.
وتستغل الجماعات الإرهابية مثل تنظيم داعش هذه التغيرات، وتزيد من إثارة النزاعات بين المزارعين والرعاة، لتجد فرصة للتمدد بانشغالهم وانشغال القوات الحكومية في هذه النزاعات.
كما تتسابق ذات الجماعات بدورها في نهب ما تستطيعه من الماشية والمحاصيل.
ميليشيات عرقية
تتدخل التركيبة العرقية في زيادة فرص النزاع على المحاصيل والماشية، وتكونت ميليشيات للدفاع عن النفس ومناطق الرعي والماشية ذات قاعدة عرقية، مثل ميليشيات عرقيات الفولاني، والدوغون، والبامبارا، والموسي؛ مما يرفع فرص العنف في ظل هشاشة وجود القوات الحكومية، كما توضح الباحثة البوركينية منى ليا لموقع "سكاي نيوز عربية".
وترى أنه رغم أن نزاعات المزارعين والرعاة في دلتا النيجر وشمال بروكينا فاسو عميقة الجذور، فإنها تتفاقم مع مرور الوقت.
وللحد منها، أكدت ضرورة المصالحة المجتمعية كأولوية لإصلاح النسيج الاجتماعي الممزق والمشوه، داعية دول الساحل للتنسيق بينها في مواسم الجفاف والفيضانات وتحديد أماكن الرعي ووجود الرعاة لمنع احتكاكهم بالمزارعين في القرى، خاصة مع استمرار التصحر.
كذلك على حكومات الدول الخمس، ومنظمة الأغذية والزراعة "فاو" والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس"، توفير الأعلاف للرعاة المتنقلين والمياه لتقليل حدة التنقل من منطقة إلى أخرى، حسب ليا.
وإلى جانب هذا، يلزم، كما تشدد الباحثة البوركينية، توفير الأمن بمواجهة الجماعات الإرهابية، وحينها ستقل عمليات نزوح السكان، فتقل الصراعات بين النازحين والسكان القدامى في المناطق التي يذهبون إليها حول المحاصيل والماشية.
ومنذ مارس 2019، نزح 4.2 مليون شخص من منازلهم في بلدان الساحل.
وأدى تراجع معدلات الأمطار، بجانب تزايد عنف الجماعات الإرهابية، إلى وضع دول الساحل الخمسة ضمن أفقر دول العالم، ووضع النيجر في ذيل مؤشر التنمية البشرية الخاص بالأمم المتحدة، بينما تحتل تشاد وبوركينا فاسو ومالي مرتبة أعلى بقليل.