أعادت الاشتباكات الحدودية بين أرمينيا وأذربيجان التساؤلات حول مصير وقف إطلاق الهش بين البلدين التي تجمعهما خصومة كبيرة من عشرات السنين، وفشل عملية السلام التي كان يرعاها الاتحاد الأوروبي بداية هذا العام.

وأعلن سكرتير مجلس الأمن الأرميني أرمين غريغوريان، صباح الخميس، عن وقف بلاده لإطلاق النار مع أذربيجان، وهو الأمر الذي لم تؤكده باكو او ترد عليه، ولكن وسائل الإعلام الروسية تحدثت عن التوصل لاتفاق بين البلدين.

بينما عرضت أذربيجان، الأربعاء، إعادة جثث 100 جندي أرميني قالت إنهم قتلوا في الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين البلدين، في إطار إبداء حسن النية، وقالت لجنة أسرى الحرب الأذربيجانية، في بيان، إن "أذربيجان تدعو إلى وقف إطلاق النار وهي مستعدة لتسليم جثث 100 جندي أرميني من جانب واحد إلى أرمينيا".

ويرى خبراء تحدث إليهم موقع "سكاي نيوز عربية" أن أذربيجان تحاول فرض رؤيتها على أرض الواقع والاستفادة من تفوقها العسكري في ظل انشغال روسيا حليف أرمينيا بمجريات الحرب في أوكرانيا، والانتكاسات التي يتعرض لها الجيش الروسي في منطقة خاركيف، وأن الاهتمام بالأمر لن يكون كما حدث في عام 2020.

استغلال الموقف

الخبير الروسي تيمور دويدار، يرى أن باكو تحاول استغلال المأزق الروسي مع الغرب والحرب في أوكرانيا وموقف الجيش الروسي هناك من أجل تحقيق مكاسب في صراعها مع يريفان اعتمادا على الدعم المقدم لها من أنقرة.

وأضاف دويدار، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن مؤتمر شنغهاي للتعاون سوف يتم تنظيمه قريبا والأنظار تتجه إلى ما سوف ينتج عنه، وأعتقد أن الأمور ستتم تسويتها قبل الاجتماع.

وكشف أن الرئيس الروسي يتعامل بشكل مع شخصي مع المشكلة الأذرية الأرمينية، وتساند موسكو أرمينيا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وتبذل قصارى جهدا لطمأنة الشعب الأرميني، وفي نفس الوقت يوجد فتور في العلاقات بين الرئيس الروسي ونظيره الأرميني تتكشف في سرعة تحرك تجاه التغييرات التي تشهدها المنطقة.

تغيير موازين القوى

من جانبه يقول المحلل الأرميني تاتول هاكوبيان إن "التصعيد هو نتيجة لوصول محادثات السلام إلى الطريق المسدود"، معتبرا أن النزاع في أوكرانيا "غيّر ميزان القوى في المنطقة"، ومشيرا إلى أن روسيا الداعمة لأرمينيا "ليست في وضعية جيدة".

واعتبر هاكوبيان هاكوبيان، أن باكو أرادت الاستفادة من هذا الوضع من أجل "الحصول على تنازلات من أرمينيا".

أخبار ذات صلة

أرمينيا وأذربيجان.. هدنة بعد يومين من الاشتباكات العنيفة
أرمينيا وأذربيجان.. اتهامات متبادلة ودعوات للتهدئة
أذربيجان تعرض تسليم أرمينيا جثث 100 جندي
اشتباكات على حدود حلفاء روسيا.. إطلاق نار وقذائف مورتر

الدوافع الإدارية

الخبير المقيم في المملكة المتحدة محمد صالح الفتيح يرى أن التصعيد الأذربيجاني الأخير يحاول الاستفادة من عاملين رئيسين، أولاً، تزايد الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا، خصوصاً بعد تصاعد الهجمات المضادة من الجانب الأوكراني في الأسابيع الأخيرة وصولاً لاستعادة أوكرانيا مقاطعة خاركيف قبل يومين من تفجر المواجهات الأذرية-الأرمينية الأخيرة، وهذا الانشغال الروسي يمثل فرصة لأذربيجان لكسر الجمود على الجبهة مع أرمينيا بدون عواقب كبيرة، أي بدون حصول تدخل مباشر من الجانب الروسي.

ويضيف الفتيح، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن السبب الثاني هو تزايد وتيرة التحركات الأوروبية لعزل روسيا، إذ ظهرت في الأشهر الأخيرة تحركات أوروبية لتشكيل تجمع سياسي أوروبي موسع يضم دول الاتحاد الأوروبي والدول المحيطة بها بما في ذلك أرمينيا وأذربيجان، ولكن بدون روسيا وبيلاروسيا. المعلن هو أن هذه المجموعة استحدثت لمناقشة أزمات الطاقة والمستجدات الدولية التي خلقتها الحرب الروسية-الأوكرانية، ولكن المفهوم ضمناً أن المجموعة تحشد الدول المحيطة بروسيا لعزل الأخيرة وإضعاف نفوذها.

ويشير إلى أن هذا التغيير في المشهد الدولي، بحسب القراءة الأذرية، سيضغط على روسيا لاحتواء الأزمة الحالية، التي تحصل عملياً في الفناء الخلفي لروسيا، وعدم التصعيد وبالتالي عدم تقديم دعم عسكري لأرمينيا بالرغم من مطالبة الأخيرة لروسيا بتطبيق اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة في 1997. باختصار، ترى أذربيجان أن الظرف الدولي مواتي لفرض تصوراتها لحل الأزمة.  

آفاق الاشتباكات

الفتيح يتوقع أنه من غير المرجح أن نشهد تفجر حرب واسعة على نحو ما حصل في خريف 2020. ومن المرجح أن تستمر المناوشات عن بعد – عبر الطائرات المسيرة من الجانب الأذري والقصف المدفعي والصاروخي من الجانب الأرمني.  فالميزان العسكري لا يزال يميل بوضوح لصالح أذربيجان ولم تقم أرمينيا حتى الآن بعمليات تسلح تستوعب دروس تلك المواجهة إذ لا تزال تركز على التسليح التقليدي ولم تنتقل للاعتماد على الطائرات المسيرة المقاتلة والمسيرة الانتحارية (ما يعرف أيضاً باسم الذخائر الجوالة أو المتسكعة) على نحو ما فعلت أذربيجان ولهذا تحتفظ الأخيرة بالقدرة على توجيه ضربات مكلفة لأرمينيا بدون عواقب كبيرة.

ويكشف أن انتقال أذربيجان للاشتباك البري المباشر ومحاولة التقدم داخل الأراضي الأرمينية هو غير مرجح حالياً فمثل هذا الاشتباك يزيد من احتمال التحرك الروسي كما تضعف المواجهات المباشرة ومحاولة التقدم البري الواسع من نقاط التفوق العسكرية الأذرية المتمثلة بخوض الحرب عن بعد بواسطة الطائرات المسيرة.