في ظل الخسائر التي تسببها التغيرات المناخية في أفغانستان وتعرض البلاد للجفاف والفيضانات، لجأ سكان محليون في عدة مناطق لإقامة السدود على نفقاتهم الخاصة لاحتجاز مياه الفيضانات واستثمارها فيما بعد أثناء أوقات الجفاف.

ومؤخرًا، أقدم المواطنون على بناء سد صغير في منطقة جاغوري بولاية غزنة التي تقع شرق البلاد، على بعد 150 كيلومترًا من العاصمة كابول، وتم إنشاؤه في منطقة جبلية بعمق 22 مترًا لاحتجاز مياه الفيضانات وتقليل آثارها التدميرية، إضافة إلى استخدامها في أوقات الجفاف.

تأتي هذه المبادرة بعد نوبات من الجفاف الحاد التي تعرضت لها أفغانستان خلال السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس سلبًا على حياة المزارعين، إضافة إلى تهديد الاقتصاد الأفغاني.

وبسبب الجفاف، واجه مليونا شخص خطر انعدام الأمن الغذائي في أفغانستان، وذلك بعدما أرجأ المزارعون في نحو 20 إقليمًا أفغانيًّا، زراعة القمح وخفضوا مساحاته بسبب الجفاف، وذلك رغم أن نحو 14.8 ملايين شخص من أصل 30 مليونًا في الدولة، يعتمدون بشكل كبير على الزراعة، وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 2018.

وفي الربع الأول من العام الحالي، قال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر: "لقد أصبحت أزمة الجفاف أزمة اقتصادية في بلد تعتبر فيه الزراعة أمرًا بالغ الأهمية، إذ يعيش أكثر من 70 في المئة من سكان أفغانستان في المناطق الريفية ويعتمد نحو 80 في المئة على الزراعة".

ولم تقتصر آثار التغير المناخي على نوبات الجفاف، لكنها تسببت أيضًا في فيضانات مدمرة تعرضت لها أفغانستان، حيث أدت الأمطار الغزيرة التي تهطل على أفغانستان منذ أكثر من شهر إلى مقتل 182 شخصًا وإصابة 250 آخرين بينهم نساء وأطفال، كما أن أكثر من 3 آلاف منزل دمرتها الأمطار، فضلًا عن إتلاف أراضٍ زراعية في شرق البلاد، وفق تصريحات الناطق باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد، مطلع الشهر الجاري.

مبادرة السدود الأهلية

الباحث البيئي الأفغاني، حميد عطايي، قال في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، إن التغيرات المناخية لها آثار سلبية حادة على أفغانستان، لذلك فإن مبادرة السدود الأهلية تسهم في الحد من التداعيات الخطيرة للفيضانات والجفاف.

ولم تقتصر مبادرة بناء السدود على الجهود الذاتية للمواطنين الأفغان فقط، لكن أيضًا خبراء إدارة المياه يعملون على إقامة السدود لاستثمار مياه الفيضانات في الجزء الشرقي من البلاد، وفق "عطايي".

الباحث البيئي الأفغاني، أشار أيضًا إلى أن قيمة هذه السدود أنها تمنع خطرين، خطر الفيضانات المدمرة التي تجتاح مناطق بأكملها، حيث إن هذه السدود ستحتجز المياه في أماكن معينة، إضافة إلى أن هذه المياه ستكون بمثابة المنقذ في أوقات الجفاف.

لكن عطايي أشار أيضًا إلى أنه رغم الجهود الأهلية والحكومية في بناء السدود، فإنها ما زالت بحاجةٍ إلى دعم منظمات دولية وإقليمية، خاصة أن أفغانستان من بين تلك البلدان المعرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات.

يرى الباحث الأفغاني أنه في ظل الجهود التي يبذلها صندوق التعاون الخليجي في مواجهة آثار التغيرات المناخية في الدول النامية فإنه يستطيع أن يقدم التمويلات اللازمة لمثل هذه المشاريع.

حل لأزمة معقدة

الكاتب الصحافي والباحث الأفغاني، فضل القاهر قاضي، ثمّن المبادرة ووصفها بـ"المهمة"، مشيرًا إلى أن أفغانستان تعاني من جفاف شديد منذ سنوات، وما زالت تداعياته خطيرة ويعاني منها المواطن الأفغاني.

الجفاف أدى إلى تدمير العديد من المحاصيل الزراعية، بعدما فشل المزارعون الأفغان في توفير المياه اللازمة لري أراضيهم، وهو ما انعكس على الأمن الغذائي الأفغاني، وفق الباحث الأفغاني.

يشير الباحث الأفغاني أيضًا إلى أن بعض السكان المحليين في ولايات شمال أفغانستان، بدأوا في عملية بناء السدود بإمكانات متواضعة، كما أن حكومة طالبان ممثلة في وزارة المياه تقوم ببناء السدود لمواجهة نقص المياه.

أشار قاضي أيضًا إلى أن أزمة المياه معقدة في أفغانستان، خاصة في ظل المشاكل الحدودية مع الجارة "إيران" فيما يتعلق بملف المياه، وتحديدًا في ولاية "نمروز" في جنوب غرب البلاد، التي تشهد بعض المشاكل الحدودية، حيث إن إيران تطالب بحصتها من المياه، وهو ما يلقى معارضة داخلية.

واختتم قاضي حديثه بالقول، هناك أيضًا مطالب ببناء سدود على الحدود الباكستانية الأفغانية، خاصة في منطقة "كونر"، لمواجهة المشاكل التي تتعرض لها البلاد سواء نقص المياه أو الفيضانات التي يمكن أن تستثمر عن طريق احتجازها وتقليل آثارها التدميرية، ثم الاستفادة بهذه المياه فيما بعد، خاصةً في ظل نوبات العطش والجفاف.

ومؤخرًا، كشف مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، في تقرير له لمجلس الأمن، أن أزمة أفغانستان إنسانية واقتصادية ومناخية، كما أنها أزمة جوع وأزمة مالية وهو ما تسبب في:

* ما يقرب من 19 مليون شخص يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك ستة ملايين شخص معرّضون لخطر المجاعة.

* ثلاثة ملايين طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، بينهم مليون طفل يعانون من أشد أشكال سوء التغذية خطورة على الحياة.

* أكثر من نصف السكان نحو 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية.

* تفاقم أزمة سوء التغذية مع الجفاف المتكرر، وموجة الجفاف في 2021 كانت الأسوأ منذ ثلاثة عقود، ولا تزال آثارها باقية.

* نحو 25 مليون شخص يعيشون في فقر، ويمكن أن يصل مستوى البطالة إلى 40 في المئة.