مع غياب الحكومة عن وسط وشمالي مالي، حولت الجماعات الإرهابية مدنًا هناك إلى ما يشبه إمارة غير مُعلنة، بإخضاع السكان لها عبر ابتزازهم بالغارات، ثمّ إجبارهم على دفع إتاوات مقابل تركهم يعيشون في أمان.
تأتي جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، على رأس الجماعات التي تبرم اتفاقات الإتاوات مع السكان؛ كون أعضاء هذه الجماعة أدرى بالمنطقة لأنهم منها، يليها تنظيم "داعش" الإرهابي الذي يضم مقاتلين الأجانب.
من الابتزاز للإتاوات:
يبدأ طريق إخضاع السكان بأن يمارس الإرهابيون قطع الطرق والنهب والغارات والحصار على منطقة ما، ويعرضون وقف هذه الهجمات إذا ما تعهد السكان بدفع إتاوات مالية، وجزء من إنتاج الحبوب والماشية.
كذلك أن يتعهد السكان بعدم التعاون مع الجيش المالي أو مع مجموعة "فاغنر" الروسية التي تورد مقاتلين لدعم الجيش، إضافة إلى قبول تطبيق الفكر المتطرف لهذه الجماعات.
أمثلة للاتفاقات:
• رفعت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" حصارا فرضته على الطريق بين دوانزا وبوني بمنطقة موبتي وسط مالي منذ 25 مايو الماضي، وحلت محله حظر تجوال بعد اتفاق مع الأهالي، مقابل إتاوات وعدم التعاون مع الجيش و"فاغنر".
كانت "النصرة" قد فرضت الحصار بعد أن اتهمت أهالي "بوني" بالترحيب بمقاتلي "فاغنر".
• في الأشهر الأخيرة تضاعفت الاتفاقات، ووفقًا لتقديرات، عقدت "النصرة" و"داعش" 20 اتفاقًا.
• وحسب توضيح العضو المؤسس في "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، بكاي أغ حمد، لموقع "سكاي نيوز عربية"، فإن أول اتفاق ظهر مارس 2021، وكان مع قادة المجتمع كوسطاء، وبعدها صار عقد الاتفاقات مع السكان المحليين مباشرة، مثل الاتفاق بين "النصرة" وسكان في فارابوغو بمنطقة سيغو وسط مالي بعد تعرضهم لحصار عدّة أشهر.
• تكرر الأمر في مناطق تيدغمين قرب ميناكا وشمال كيدال و"هومبوري" شمالًا، و"دونزا" في موبتي ودجيني على بعد 398 كم من العاصمة باماكو، وفقًا لـ"بكاي".
• أما "داعش" فنفذ اتفاقات ابتزازية في بلدة أضرنبوكار وقرى أخرى تابعة إلى ميناكا شمالًا، المتاخمة للحدود المالية النيجيرية، كما يقول المتحدث ذاته.
ووفقًا لمركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية (مقره واشنطن)، فإن "نصرة الإسلام والمسلمين" نفّذت أكثر من 50 هجومًا في 2022، بينما قتلت هجمات "داعش" أكثر من ألف شخص.
أهداف الاتفاقات:
يبدو للوهلة الأولى أن الاتفاقات هدفها جمع الأموال، لكن إلى جانب ذلك، فهناك هدف أكبر هو إخضاع أكبر مساحة للجماعات الإرهابية، وتحويلها إلى "إمارة إسلامية"، يكون السكان خاضعين فيها لهذه الجماعات لا للحكومة.
ويعدد "بكاي" أهداف الإرهابيين فيما يلي:
• الحصول على التمويل.
• إتاحة الفرصة للأهالي لزراعة أراضيهم والتجارة بطريقة آمنة مقابل الإتاوات (وهو ما سيعود للإرهابيين بالنفع بالحصول على جزء من الإنتاج).
• تكوين بيئة حاضنة لهذه الجماعات حين تقدم نفسها للأهالي على أنها "حافظة للأمن" مع غياب القوات الحكومية.
• فرض "النصرة" و"داعش" النفوذ على مناطق بعينها، خاصة قرب الحدود مع النيجر وبوركينافاسو، لأن السيطرة عليها يسهل التهريب ونقل الأسلحة والمقاتلين والتجارة غير المشروعة.
• في أمد أبعد، تعتزم هذه الجماعات تحويل المنطقة إلى إمارة غير معلنة بعد إتمام سيطرتها على السكان المحليين والاقتصاد والنقل، كبديل للدولة الشرعية.
وفي الأسابيع الأخيرة، نشطت الدولة المالية ودول إقليمية في اتخاذ خطوات لصد الجماعات الإرهابية، ومن ذلك عقد اجتماعات بين السلطات المالية وحركات إقليم أزواد (شمالًا)، لإعادة تفعيل اتفاق الجزائر للسلام والمصالحة بينهم.
وأدّى التوتر بين السلطات وحركات أزواد لضعف وجود الجيش الحكومي شمالًا، وعدم التنسيق اللازم بين الجانبين؛ وهو ما وفَّر مناخًا خصبًا لانتشار الإرهابيين.