عملية تفجير سيارة الصحفية الروسية البارزة داريا دوغينا، السبت الماضي، في إحدى ضواحي موسكو، أعادت إلى الأذهان شريطًا طويلًا لسلسلة اغتيالات تعرّض لها عدد من المسؤولين الرسميين العاملين في الإدارات الحكومية الروسية، وكذلك لسلسلة اغتيالات مضادة استهدفت روسيا من ورائها تصفية خصومها، وبالأخص في الشيشان.
وتُجمع مؤسسات الأبحاث المعنية برصد وتحليل الشؤون الروسية على أن البيانات الرسمية التي تصدرها الدوائر الأمنية المختصة في موسكو، غالبًا ما تكون مقتضبة في أعقاب وقوع أي عملية اغتيال، سواء تلك التي تستهدف المواطنين الروس أم تلك التي تقوم روسيا بتنفيذها.
اغتيال كارلوف في أنقرة
في 19 ديسمبر 2016، لقي السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف حتفه جراء تعرضه لطلقات نارية على أيدي مولود الطنطاش، أحد عناصر الشرطة التركية، خلال إقامة فعاليات معرض للتصوير الفوتوغرافي في أنقرة.
وبالرغم من أن الجاني سارع إلى ترديد هتافات مؤداها: "الله أكبر، الله أكبر، لن ننسى حلب، لن ننسى سوريا، هذا من أجل حلب"، قبل أن يطلق عليه رجال الأمن النار، ما أدى إلى إصابته بجروح، فقد اتسمت ردود الأفعال الرسمية الروسية بالعقلانية والهدوء، لا سيما أن العلاقات بين موسكو وأنقرة كانت لا تزال (وقتذاك) في غاية التوتر على خلفية قيام المقاتلات التركية بإسقاط قاذفة "سوخوي" روسية عند الحدود السورية في 24 نوفمبر 2015.
الاغتيالات المضادة
في سياق الحديث عن الإرهاب في الشيشان ومكافحته، اللافت أن هذا "المدّ الإرهابي الجارف" وصل إلى درجة قيام الانفصاليين بتفجير المنصّة التي كان يجلس فوقها الرئيس الشيشاني أحمد قاديروف، والد الرئيس الحالي رمضان قاديروف، أثناء حضوره مراسم الاحتفال بمناسبة عيد النصر على النازيين داخل ملعب "دينامو" في العاصمة غروزني بتاريخ 9 مايو 2004، ما أودى بحياته على الفور.
غير أن هذا لم يَحُل دون نجاح سلطات الأمن الروسية في الحدّ من تداعياته الإجرامية بشكل تدريجي، وخصوصًا في أعقاب تنفيذ سلسلة عمليات نوعية أدّت إلى تصفية رموز شيشانية من الصف الأول ممّن تلطّخت أياديهم بدماء الأبرياء.
ومن بين هؤلاء عربي باراييف الذي قُتل في غارة شنتها القوات الروسية الخاصة على منطقة "خان قلعة" قرب غروزني في 22 يونيو 2001، وسامر السويلم (ابن الخطّاب) الذي اغتيل برسالة مسمومة في 20 مارس 2002، وأبو وليد الغامدي الذي قُتل في 19 أبريل 2004، والرئيس الانفصالي أصلان ماسخادوف الذي قُتل في عملية خاصة في قرية "تولستوي" شمال الشيشان في 18 مارس 2005، وشامل باساييف الذي قُتل في 10 يوليو 2006 جرّاء انفجار عبوة ناسفة في قرية "إيكازهيفو" الواقعة في جمهورية إنغوشيا المتاخمة للشيشان.
وإثر ذلك، انخفض عدد الهجمات الإرهابية بشكل ملحوظ، الأمر الذي جعل إطلاق تسمية "عمليات مكافحة الإرهاب" على حرب الشيشان الثانية، منذ بدايتها عام 1999 ولغاية إعلان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف آنذاك عن انتهائها رسميًا، خلال ولايته الرئاسية عام 2009، يتّسم بالموضوعية، بحسب وجهات نظر خبراء محايدين.
اغتيال داريا
وبالعودة إلى عملية اغتيال داريا دوغينا، ابنة البروفسور الشهير ومنظّر تعاليم "الحركة الأوراسية الجديدة" ألكسندر دوغين، الذي يوصف بأنه "دماغ" الرئيس بوتن الاستراتيجي، جرّاء تفجير السيارة التي كانت تستقلها في "عقر دارها"، السبت الماضي، بالقرب من العاصمة موسكو، فإنّ أكثر ما يبدو مختلفًا هذه المرة، مقارنة بكل ما سبق ذكره من عمليات اغتيال واغتيالات مضادة، سواء داخل روسيا أم خارجها، يتمثل في أن التفجير وقع في ظل احتدام المواجهات الغربية – الروسية، عبر البوابة الأوكرانية، التي من المتوقع أن يطول أمدها الزمني، حتى إشعار آخر.
وبالرغم من أن السلطات الأمنية الروسية سارعت إلى الكشف، مطلع الأسبوع الجاري، عن هوية الأوكرانية ناتاليا فوفك التي زرعت عبوة ناسفة شديدة الانفجار داخل سيارة الضحية داريا، فإن الخبراء الروس يعملون حاليًا على الكشف عن خيوط تتعلق بما إذا كانت ناتاليا قامت بفعلتها بناءً على توجيهات بلادها أم إنها نفّذت العملية بموجب "توجيهات خارجية" تُحرك الملف الأوكراني بأكمله.
ويتوقف الخبراء هنا عند نقطة بالغة الأهمية مؤداها أن لا أحد في الغرب الأميركي والأوروبي وصف اغتيال داريا دوغينا، الصحفية الروسية البالغة من العمر 30 عامًا، بـ"العملية الإرهابية"، ما يطرح في أوساطهم الكثير من علامات الاستفهام.