عادت تصريحات فرنسا بشأن روسيا إلى محطة الجدل مرة أخرى، حيث قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آن كلير ليجاندر، إن باريس مهتمة بالحفاظ على قنوات الحوار مع روسيا، لأنها ستكون ضرورية عندما يحين وقت المفاوضات.
تصريحات جاءت بحسب الخبراء والمحللين في التوقيت المناسب نظرًا للاستنزاف التي تتعرض إليه أوروبا نتيجة العملية الروسية في أوكرانيا، بخلاف التغريد خارج سرب واشنطن التي تتهمها موسكو مرارًا بالعمل على إطالة أمد الصراع.
في السياق يقال ديميتري بريجع، الأكاديمي الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب بموسكو، إن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتن والفرنسي إيمانويل ماكرون، لم يناقشا الأوضاع الإقليمية والدولية، على مدى الشهرين الماضيين.
ويستبعد الأكاديمي الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب بموسكو، خلال تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، نجاح الرئيس الفرنسي في أي حوار مع نظيره الروسي كون المحاولات السابقة فشلت، ولكن من الجيد أن ماكرون باختلاف بعض قادة أوروبا يحاول الحفاظ على العلاقات السياسية مع روسيا كون هذه العلاقات لها تاريخ طويل ويمكن أن تلعب دورا مهما مستقبلًا.
ويُشير بريجع، إلى أهمية وجهة النظر الفرنسية، التي وإن اختلفت تجاه موسكو، ستساهم بشكل كبير في تغيير الكثير من وجهات النظر الأوروبية، كون الانظمة السياسية الحالية الحاكمة في القارة العجوز ليست مستقرة.
من جانب أخر، يقول الباحث الروسي في تاريخ العلاقات الدولية سولونوف بلافريف، إن فرنسا ترغب بالمحافظة على هذه القناة التي تحدث عنها في الحوار لأنها تدرك أنه لا مناص من الوصول إلى هذه النقطة عاجلاً أو آجلاً.
فرنسا تغرد بعيدًا عن أميركا
أوضح الباحث الروسي في تاريخ العلاقات الدولية، خلال تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الخلافات بين جناحي الناتو، الأوروبي والأميركي، ليست جديدة؛ فالولايات المتحدة غير مكترثة بأمن أوروبا أو اقتصادها، بل تستغل أوروبا لتنفيذ أهدافها.
بعد اندلاع العملية الروسية-الأوكرانية مؤخراً أصبح الأمن الأوروبي مُهدّداً بشكل مباشر وانتقلت الخلافات الروسية-الأميركية إلى قلب أوروبا، وأصبحت الحاجة إلى ما يمكن تسميته (السيادة الدفاعية الأوروبية) أكثر إلحاحاً من قبل، والحقيقة أن الكثير من القادة الأوروبيين بدأ بالتفكير في هذا الاتجاه، لأن الولايات المتحدة تستغل هذه الصراعات لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية لنفسها فحسب.
وتوقع الباحث الروسي في تاريخ العلاقات الدولية، أن تقوم أوروبا في الأشهر القادمة بالكف عن التفكير بكونها مجرد (كيان اقتصادي)، فالعملية العسكرية في أوكرانيا ستشكل استنزافاً كبيراً لها؛ والمستفيد الوحيد منها هو المصانع الحربية في الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، أكد سولونوف بلافريف، أنه لا توجد مصلحة أوروبية مباشرة بمعاداة روسيا، بل على العكس بعتبر أمن أوروبا جزء من أمن روسيا والعكس صحيح.
علاوة على ذلك، استطاعت روسيا عبر علاقاتها الجيدة مع معظم دول الجنوب الترويج لسياساتها؛ فهي تعمل مع الصين والهند في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية ضمن الكثير من المنظمات الإقليمية كـ"بريكس" و"شنغهاي"؛ أي في الدول التي تشكل سوقاً كبيرة لتصريف المنتجات الأوروبية؛ لذلك لا خيار أمام الأوروبيين سوى تنسيق الجهود مع الروس بهدف الحفاظ على اقتصاداتهم ومنعها من الانهيار بفعل الاستنزاف الأميركي لها في حروب غير مجدية للقارة العجوز.
في سياق ما وصفه الخبراء باستنزاف أميركا لأوروبا، يوضح ديميتري بريجع، الأكاديمي الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب بموسكو، أن أوروبا بدأت تفهم ذلك من زمن الرئيس السابق دونالد ترامب.
وحول إجبار أوكرانيا على الجلوس من جانب أوروبا على مائدة المفاوضات، يقول ديميتري بريجع، نعم هذا سيناريو قريب للغاية كون الرئيس الأوكراني يحاول أن يدخل بلاده إلى العائلة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) ولذلك بات من الواضح أن الغرب أصبح مسيطر على القرار السياسي في أوكرانيا بالكامل.