تتعرض مدينة خاركيف، شمال شرق أوكرانيا، إلى وابل من الصواريخ الروسية في مسعى جديد من موسكو لتحقيق انتصار معنوي في بداية المرحلة الثالثة من الحرب بالسيطرة على ثاني أكبر المقاطعات الأوكرانية وأكبر مركز صناعي بالبلاد.
وعلى مدى 5 أشهر، مرت الحرب الروسية الأوكرانية بمرحلتين، تمثلت الأولى في محاولة موسكو السيطرة على العاصمة كييف وبعض مدن الشمال، غير أنها لم تفلح في ذلك، ومن ثم كانت المرحلة الأخرى التي ركزت خلالها جهودها على الشرق، وحققت فيها نجاحات كبيرة؛ كان أبرزها السيطرة الكاملة على منطقة لوغانسك منتصف الشهر الجاري.
خاركيف ثاني أكبر المقاطعات من حيث المساحة، يتحدث معظم سكانها الروسية وتقع على مسافة عشرات الكيلومترات من الحدود مع روسيا، وهي على خط المواجهة منذ بداية الحرب في 24 فبراير الماضي، وكانت مسرحًا لعمليات قصف ومعارك مكثفة، ووصل الجيش الروسي إلى قلبها قبل أن يتمكن الأوكرانيون من السيطرة عليها من جديد بعد معارك ضارية.
ومنتصف الشهر الجاري، قال فيتالي غانتشيف، رئيس الإدارة العسكرية المدنية لمقاطعة خاركيف الموالية لموسكو، إن القوات الروسية حررت نحو 20% من أراضي المقاطعة، من قوات كييف وممن وصفهم بالمرتزقة.
العودة للعاصمة من جديد
وحول أهمية خاركيف، قال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، ليون رادسيوسيني، إن قصف خاركيف له حصة شبه يومية في محاولة لتدميرها تمامًا خاصة بعد فشل عمليات الاقتحام المباشر في بداية الحرب، لافتًا إلى أن روسيا تريد تدمير أكبر مركز صناعي بأوكرانيا وخنق اقتصادها.
وأضاف رادسيوسيني، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن أهمية خاركيف تكمن في أنه في حال السيطرة عليها تكون بذلك عزلت الشمال الشرقي لأوكرانيا، ومِن ثم ستتمكن من استقدام قواتها الموجودة في إقليم دونباس الانفصالي وتوجهها إلى خاركيف، وبذلك يكون الممر الشمالي الشرقي مفتوحًا أمام الجيش والعتاد الروسي، وبالتالي يُمكن التوجّه نحو العاصمة من جديد حال أرادت ذلك.
وأشار إلى أن خاركيف أيضًا تمثل رمزية مهمة لروسيا كونها كانت إحدى أهم القلاع الصناعية العسكرية للاتحاد السوفييتي، وستمثل السيطرة عليها نصرًا معنويًّا كبيرًا مع بداية المرحلة الثالثة من الحرب.
وتسمى خاركيف "مدينة اللهب" لضمها أكثر من 300 مشروع صناعي، إذ تعد معقلًا للصناعات العسكرية الأوكرانية بما فيها الدبابات والعربات المدرعة وشركات الصناعات المرتبطة بالفضاء ومحطات الطاقة النووية والطائرات العملاقة.
كما أنها أول عاصمة للجمهورية الاشتراكية السوفييتية الأوكرانية من ديسمبر 1919 إلى يناير 1934، قبل أن تنتقل العاصمة إلى كييف.
المعركة اقتربت
رئيس بلدية خاركيف، إيهور تيريخوف، قال إن الروس "يحاولون تحويل خاركيف إلى مدينة بائسة؛ مثل المدن الموجودة في روسيا، لكنهم لن ينجحوا"، لافتًا إلى أنهم يتوقعون محاولة جديدة للسيطرة على المدينة.
وأضاف رئيس البلدية: "نحن نستعد لها، وجيشنا يستعد لها، وسندافع عن مدينتنا"، مُقرًّا في الوقت نفسه بأنه لا يعرف ما هي النيات الروسية، لكنه أعرب عن أمله في أن يتحقق النصر الأوكراني "في أقرب وقت ممكن".
وتابع: "تضم المدينة تسعة أحياء تعرضت كلها للقصف بدرجات متفاوتة وفي أوقات مختلفة. لذلك، يمكننا القول إنه لا يوجد مكان آمن في خاركيف"، مضيفًا "نعم، تكونون بأمان في الملاجئ وفي المترو، لكن هذا كل شيء".
وبحلول نهاية مارس، كان نحو ثلث سكان خاركيف التي كانت تعدادها 1.4 ملايين نسمة قبل الحرب، قد فروا إلى الغرب، وحظيت المدينة بفترة راحة قصيرة مطلع مايو عندما تراجعت القوات الروسية لتركز القتال الرئيسي على معركة دونباس في الشرق، وفي ذلك الوقت، كان نحو ألفي شخص يعودون إلى خاركيف يوميًّا، وكانت المتاجر تفتح أبوابها، وبدأ السكان يخرجون من ملاجئهم، لكن الهدنة لم تستمر طويلًا.
ويقدر إيغور تيريخوف عدد الضحايا بالمئات، لكنه لا يملك حصيلة دقيقة، ويقول "نحن نواجه إبادة جماعية ضد الشعب والأمة الأوكرانية، دُمر نحو 30 في المئة من المنازل والشقق في المدينة"، لافتًا إلى أن عدد الأشخاص المشردين يبلغ نحو 150 ألفًا.