عشية دخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها السادس، يرى مراقبون أن توقيع أوكرانيا وروسيا، يوم الجمعة، في إسطنبول، اتفاقين منفصلين مع تركيا والأمم المتحدة بشأن تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية عبر البحر الأسود، يمثل بادرة إيجابية يمكن البناء عليها لإحداث اختراق دبلوماسي قد يوقف نزيف الدم جرّاء هذه الحرب.
وتسمح الاتفاقية لكييف باستئناف شحنها للحبوب من البحر الأسود إلى أسواق العالم، ووقع عليها وزيران من البلدين بشكل منفصل، تجنبا الجلوس على طاولة واحدة أو التصافح خلال المراسم.
ويرى مراقبون وخبراء أن هذا الاتفاق يشكل بارقة أمل للخروج من الأزمة العالمية الخطيرة التي خلفتها حرب أوكرانيا، وأنه قد يفتح كوة في جدار هذه الحرب، عبر إعلاء صوت الدبلوماسية والحوار والمصالح المشتركة على صوت السلاح.
لكن محللين آخرين يحذرون من الوقوع في فخ التفاؤل المفرط، منوهين إلى أن حجم الخلاف وحدته وتضارب الأجندات الدولية المتصارعة في أوكرانيا، أكبر من أن تذلله اتفاقية الغذاء هذه، والتي ربما وقعها الطرفان رفعا للحرج وللتملص من التسبب بزيادة حدة أزمة الغذاء الدولية كونهما من أكبر منتجي ومصدري السلع الغذائية الاستراتيجية كالقمح والذرة.
وعن أهمية الاتفاق والأسباب الكامنة وراءه، قال تيمور دويدار، الخبير والمستشار الاقتصادي الروسي، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية": "في خضم الاتهامات المتبادلة بين الغرب وروسيا بافتعال أزمة الغذاء بالعالم والتسبب بتضخم أسعاره وارتفاعها الجنوني، فإن هذا الاتفاق يندرج في إطار حراك سياسي من الكرملين لكسب الرأي العام العالمي ونيل ثقته فيما يخص الأزمة الحالية، وقد يشكل هذا الاتفاق بداية التسوية لهذه الحرب".
وأضاف دويدار: "نجح الروس حتى الآن بإسقاط رؤساء حكومات غربية، وخلق مناخ داخل بلدان الغرب ليس في صالح ساستها وقادتها بما في ذلك الولايات المتحدة، وبهذا يمكن القول إن الكرملين يرى أنه ينتصر في إدارة المعركة مع الغرب ويمكنه تاليا طرح مبادرات وحلول من موقع قوة، علاوة على أن تصدير الحبوب والزيوت من أوكرانيا للخارج سينعكس إيجابا على مختلف دول العالم، وخاصة تلك التي تصفها روسيا بالصديقة وهو عامل آخر شجع موسكو ولا شك في الإقدام على هذه الخطوة".
وعن الدور التركي في الاتفاق، أوضح الخبير الاقتصادي الروسي: "دور تركيا في هذا الاتفاق يمكن وصفه أنه ثمرة العلاقة البناءة بين موسكو وأنقرة رغم الخلافات والتباينات بينهما، وهو ما يقدم مثالا على كيفية التعاون المثالي بين الخصوم لإيجاد وبلورة حلول إيجابية لمعضلات وأزمات يتضرر منها الجميع حول العالم، كما هي الأزمة الأوكرانية وما سببته من تعطيل وأضرار لسلاسل التوريد والإمداد العالمية ولا سيما الغذائية منها".
وردا على سؤال حول الدور الإيجابي لهذا الاتفاق في خلق جو تصالحي وإيجابي قد يمهد لإسكات السلاح وتغليب لغة الدبلوماسية، قال دويدار: "غالبا نعم وستضع الحرب الساخنة بأوكرانيا أوزارها في شهر سبتمبر القادم أو خلال فصل الخريف المقبل كما أتوقع، وعليه ربما سنشهد حينها إعادة هيكلة المعاملات الخارجية الروسية مع الاتحاد الأوروبي تحديدا، وتاليا تخفيف العقوبات المفروضة من قبله على روسيا، وبداية العمل المشترك والبحث معا بين الروس والأوروبيين في سبل إعادة الأمن والسلام من جديد لقارتهم".
من جانبها اعتبرت لانا بدفان الباحثة الاقتصادية والخبيرة بالعلاقات الدولية، أن "ما تم عبر هذا الاتفاق هو حلحلة واحدة من المشكلات المزمنة الناجمة عن الحرب، والمتعلقة بالأمن الغذائي العالمي، لكن هناك طبعا الكثير من الملفات والمشكلات المعقدة الأخرى العالقة، كالمتصلة مثلا بالطاقة والمعادن والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا".
وأوضحت بدفان في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "ربما يمهد هذا الاتفاق والتسوية التي تمخضت عنها بخصوص الحبوب إلى إشاعة جو تفاهمي نوعا ما، بحيث تعقبها تسويات تدريجية للأزمات الأخرى ولا سيما ما يتعلق منها بموضوع النفط والغاز، لكن هذه الحلحلة المتوقعة قد تتم بوتيرة باهتة وبطيئة، ويجب الحذر من الإفراط بالتفاؤل حيث أن الحرب مشتعلة والخلافات لا زالت على أشدها بين طرفي الصراع".
هذا وتعتبر صفقة إعادة تصدير الحبوب بين موسكو وكييف، الأولى بين الدولتين منذ اندلاع الأزمة.
ويشمل الاتفاق السماح للسفن الأوكرانية بتصدير الحبوب ونقلها عبر مياه البحر الأسود، على أن لا تتعرض لها القوات البحرية الروسية وأن يتم تفتيشها عند الدخول والخروج من الموانئ الأوكرانية من قبل الأطراف المشاركة في رعاية الاتفاق وتوقيعه للتأكد من خلوها من شحنات أسلحة.