شكل اغتيال رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي، يوم الجمعة، حدثا صادما على مستوى العالم، فراح كثيرون يجردون إنجازات السياسي الراحل، لكنهم سلطوا الضوء أيضا على مهام أخرى "أخفق" في إنجازها.
يرى الكاتب والصحفي الأميركي، دافيد سانغر، أن آبي سعى طيلة شغله لمنصب رئيس الوزراء إلى أن يغير دستور البلاد حتى تصبح اليابان "أمة عادية" تستطيع توظيف جيشها من أجل الدفاع عن مصالحها الحيوية، على غرار أي دولة أخرى، لكن السياسي الراحل لم ينجح في مسعاه.
وأضاف سانغر وهو خبير في الشؤون الأمنية سبق له أن عمل لسنوات طويلة في طوكيو، أن آبي الذي رحل عن 67 عاما، لم يستطع أيضا أن يستعيد ما كانت تمتاز به اليابان من تفوق تكنلوجي وتقدم اقتصادي في مستويات مبهرة، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
وبحسب المصدر، فإن اليابان كان يُنظر إليها على غرار ما تبدو عليه الصين في يومنا هذا، كثاني اقتصاد في العالم يمكنه أن يحتل المرتبة الأولى لو تحلى بالتخطيط والتنظيم المطلوبين.
لكن عدم نجاح شينزو آبي في إنجاز هذه الرهانات لا يخفي حقيقة ناصعة وهو أنه أكثر سياسي ياباني أحدث تحولا في بلاده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، أخفق شينزو آبي في حل الخلاف القائم لمدة طويلة مع روسيا والصين، وعندئذ، اتخذ لبلاده موقفا أقرب إلى الولايات المتحدة، فيما أصبح أغلب حلفاء طوكيو في محيطها ممن كانوا أعداء (باستثناء كوريا الجنوبية).
خطوات جريئة
أنشأ الراحل أول مجلس قومي للأمن، فكانت هذه الخطوة بمثابة تعويض عن عدم تغيير الدستور، وهو الأمر الذي جعل اليابان قادرة لأول مرة على الالتزام بـ"الدفاع الجماعي" عن حلفائها، وأنفق السياسي الراحل على الجانب الدفاعي في البلاد بسخاء وصف بالكبير.
يقول الكاتب الأميركي ريتشارد صامويلز، وهو مدير مركز الدراسات الدولية بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا "عندما تولى آبي منصبه، وكان معروفا آنذاك بانتماء قومي شديد، لم نكن نعرف ماذا سينجز".
وأوضح أن آبي كان شخصا واقعيا وبراغماتيا يدرك حدود قوة اليابان، وعرف أن بلاده لن تستطيع لوحدها إحداث توازن إزاء صعود الصين. وعندئذ، "رتب نظاما جديدا".
ولأن شينزو آبي وجد بلاده أمام قوة الصين الكاسحة وكوريا الشمالية التي لا تكف عن طموح التسلح، فقد حرص على تقوية العلاقة مع الولايات المتحدة، ولذلك، فقد التقى الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بعد أيام قليلة من انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وأهداه مضربا مذهبا للعلبة الغولف.
ورغم أن آبي كان خارج المنصب عندما بدأت روسيا عمليات عسكرية في أوكرانيا، إلا أن تأثير الراحل أرخى بظلاله على موقف طوكيو من الأزمة، وهو موقف أقرب إلى الغرب وأقل تحفظا في انتقاد موسكو.
بعد أسابيع من التردد، أبدت اليابان استعدادا للتخلي عن وارداتها من الفحم والنفط الروسيين، فيما لم يتردد آبي، وهو رئيس الوزراء السابق، في اقتراح نشر أسلحة نووية باليابان، في إطار تعاون مع الولايات المتحدة، فكسر بذلك "التابو" الذي طالما ابتعد عنه ساسة البلد الآسيوي.
وإذا كان آبي قد أنجز الكثير وأخفق في أمور أخرى، فإن المؤكد هو أن الراحل أحدث تحولا في مسألة الأمن القومي باليابان، حسب المسؤول الكبير سابقا في إدارة جورج بوش الابن، مايكل غرين.
ويرى غرين أن شينزو آبي هو الذي ساعد الدول الغربية على تطويق ما وصفها بـ"الأعمال العدائية المتزايدة" من قبل الصين في منطقة آسيا، كما مارس ضغوطا كبرى من أجل التعجيل بإقامة تحالف أمني رباعي يضم كلا من الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا لأجل كبح بكين.