أثار نشر نص مكالمة هاتفية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الروسي فلاديمير بوتن قبيل اندلاع الحرب بين موسكو وكييف، غضبا روسيا وردود فعل واسعة في غضون الساعات الماضية.
وكانت إذاعة "فرانس 2" نشرت وثائقيا حول تعامل الرئيس الفرنسي مع الحرب الروسية الأوكرانية، تضمن تفاصيل المكالمة الهاتفية التي جرت بين الزعيمين قبل أيام من اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وتمت المكالمة صباح 20 فبراير الماضي، أي قبل اندلاع الحرب بأربعة أيام، ووُصفت بأنها المكالمة الأخيرة قبل اللجوء إلى الخيار العسكري.
وتضمنت المكالمة رد بوتن على عرض نظيره الفرنسي، الخاص بعقد قمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، قائلا "لا أخفيك، أريد أن ألعب هوكي الجليد وها أنا، أتحدث إليك من صالة الرياضة".
هذه ليست المرة الأولى التي تتهم موسكو فيها باريس بتسريب تفاصيل مكالمات هاتفية بين القادة، إذ نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية العام 2020، مباحثات بين بوتن وماكرون بشأن المعارض الروسي أليكسي نافالني.
واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأربعاء، نشر نص المكالمة بين بوتن وماكرون بأنه "انتهاك للبروتوكول الدبلوماسي".
لا يبدو إجراء المكالمات الهاتفية بين القادة والرؤساء بالأمر العشوائي، بل تتخذ العديد من الخطوات الضرورية لتسهيل إتمام المحادثات الهاتفية بنجاح، وتجنب الأحداث الطارئة المحتملة، أو سوء الفهم بين الجانبين، وصولا إلى دخل طرف ثالث على خط المكالمة، ومن ثم فإن تلك المكالمات تمر وفق بروتوكولات شديدة الحزم والخصوصية، مع ترتيبات خاصة تختلف عن إجراءات مكالمات بين شخصين كالمعتاد.
ووفق ستيفن ييتس، الذي عمل نائبا لمستشار الأمن القومي ونائب الرئيس الأميركي السابق، فإنه عندما تكون هناك علاقة راسخة بين بلدين، يكون الأمر بسيطا باتصال أحد العاملين في مراكز الاتصال الرئاسية، بنظرائهم في البلد الآخر، لطلب تحديد موعد لاتصال بين الرئيسين.
أما إذا لم تكن العلاقات وثيقة بالقدر الكافي بين البلدين، يتولى سفير إحدى الدولتين تقديم التماس باسم رئيسه، وبعد ذلك يتولى الطرفان التحضير، ويتم إيضاح الأسباب ومدى ضرورة الحديث الهاتفي، وتقوم إدارتا الزعيمين بالتنسيق بشأن موعد محدد للاتصال الهاتفي.
وأشار ييتس إلى أن هناك إجراءات ضرورية تسبق إتمام الاتصال الهاتفي، إذ يتلقى زعيم كل دولة، المعلومات الكافية من مساعديه.
وعلى سبيل المثال، يزود مجلس الأمن القومي الرئيس الأميركي بملف متكامل يحيطه فيه بشؤون الأمن والسياسة الخارجية ذات العلاقة مع الدولة التي سيتحدث إلى رئيسها.
نوعان من الاتصالات
هذا خلافا للمحادثات التي تجرى على مستوى أكثر حساسية أو تتطرق لموضوعات أكثر تعقيدا. وفي الحالة الأميركية يحصل الرئيس الأميركي على معلومات إضافية بشأن تلك القضية، ويستمع أعضاء مجلس الأمن القومي إلى حديث الزعيمين.
شروط صارمة
من جانبها، تقول المحللة الأميركية المختصة في شؤون الأمن القومي، إيرينا تسوكرمان، في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية، إن إجراء المكالمات بين الزعماء والرؤساء لها اشتراطات صارمة، ولا يُفترض أن يتم الإعلان عن تلك المكالمات الخاصة خارج ما يُتفق عليه، أو مشاركتها مع أي شخص على الإطلاق.
وأوضحت توسكرمان أن الأزمة الراهنة مُحرجة لروسيا أكثر منها لفرنسا، بسبب طبيعة حرب المعلومات العالمية، كما أن هذا التسريب يضرها لأنه يناقض روايتها حول "نزع النازية" عن أوكرانيا، والتهديد المزعوم بدعم ناتو والوجود القريب للمصالح الأمنية الروسية، ويكشف عن وجهة نظر بوتن للدور الغربي المزعوم في أوكرانيا.
وأضافت: "تحاول روسيا استخدام خرق البروتوكول لتقويض مصداقية ماكرون، لأن هذه المكالمة كانت خاصة وغير قابلة للنشر، ولم يكن من المفترض أن يتم الإعلان عنها، مما يجعل من الصعب على الرئيس الفرنسي تقديم نفسه كطرف وسيط محايد بثقة من بوتن".
وتعتقد الخبيرة الأميركية بأن تأثير هذه المكالمة المُسربة سيكون مؤقتا ومحدود النطاق والمدة.
الخط الأحمر
وشدد حسن على أن هذه الاتصالات تكون مؤمنة وسرية إلى حد كبير، إلا إذا اتفق الطرفان على إذاعة ونشر المضمون أو الخطوط العريضة له.
وأضاف: "إذا كانت هناك نقاط خلاف حادة، يلجأ أحد الأطراف إلى تسريب المكالمة عن عمد متضمنة نقاط الخلاف، والانفعالات التي حدثت خلال المكالمات بما يخدم الطرف الذي سرب المكالمة، وهذا ما حدث في الأزمة الأخيرة بتسريب 9 دقائق كاملة من الاتصال الهاتفي بين ماكرون وبوتن".
وأشار إلى أن هناك توترا مكتوما بين ماكرون وبوتن قبل بداية العملية العسكرية في أوكرانيا، حيث زار ماكرون موسكو وجلس 4 ساعات من المباحثات على طاولة طويلة للغاية بشكل متعمد، وهذه صورة رمزية لحجم التباعد بين موقف فرنسا وروسيا.
وأوضح الدبلوماسي السابق أنه من النادر حدوث أخطاء تقنية في مكالمات الرؤساء.