مع استمرار نيران العملية العسكرية في أوكرانيا، بدأت روسيا عملية من نوع آخر، وهي "الدمج الكبرى"، حيث أعلنت الإدارة الموالية لروسيا في مدينة خيرسون جنوبي أوكرانيا عن أول رحلة منذ 8 سنوات لحافلات نقل الركاب بين مدن القرم من جهة، وخيرسون وميليتوبول وبيرديانسك من جهة أخرى.
الأمر لم ينتهِ عند حد رحلات نقل الركاب، بل أعلنت السلطات الموالية لموسكو توفير ربط بالقطارات وإنشاء دائرة للأحوال المدنية وخدمات مصرفية وتعليمية ورواتب تقاعدية، وهي خطوة وصفها مراقبون بالتمهيد لتسريع وتيرة سيناريو ضم مناطق في شرق وجنوب أوكرانيا لروسيا.
عملية الدمج الكبرى
تقع مدينة خيرسون في جنوب أوكرانيا، وتعتبر ميناءً مهمًّا على البحر الأسود وعلى نهر دينبر، وبالسيطرة عليها منذ مارس الماضي أصبح بإمكان موسكو فتح طريق مباشر كما حدث الآن مع القرم.
وتعليقًا على خطوات موسكو الأخيرة والتي وصفت بعملية "الدمج الكبرى"، تقول الباحثة في الشؤون السياسية سمر رضوان، إن عملية دمج خيرسون وزابوروجي وقبلهما القرم، وسوف يليها إقليم دونباس (لوغانسك ودونيتسك)، بعد انتهاك المعارك، تبين أن الغالب هو توسع الإمبراطورية الروسية جغرافيًّا، فمن يملك الأرض، يتحكم بالموارد والاقتصاد والأهم العنصر البشري للإعمار والدفاع.
وتوضح نائبة رئيس تحرير مركز رياليست للدراسات ومقره موسكو، خلال تصريحاتها لـ"سكاي نيوز عربية"، أن روسيا تهدف إلى توسيع سيطرتها رغم أنها تركت خيار الانضمام إلى سكان خيرسون وفق القانون، مما يجعلها رقمًا صعبًا مجددًا، دون إغفال طبيعة تلك المناطق الزراعية والصناعية والسياحية المهمة، مع اليقين أن المجتمع الدولي لن يعترف بذلك.
وأضافت أن عملية الدمج الكبرى التي تقوم بها روسيا لن يستطيع الغرب إيقافها، مع الإشارة إلى أن خيرسون سبق وأن صدرت مخزون حبوبها باتجاه روسيا عبر القرم، ودخل مشغل الهاتف والإنترنت وكذلك التعامل بالروبل، إلى جانب العملة الأوكرانية، وفتح البنوك والمؤسسات الخدمية الأخرى.
وأشارت رضوان إلى أن "الاستفتاء المنتظر في خيرسون من المتوقع أنه سيكون مطلع الخريف القادم، حيث تعتبر روسيا بالنسبة إلى سكان المدينة (الوطن الأم) والعودة إليها حق وإرث تاريخي، ولذلك تم منح الجنسية الروسية لكل الأيتام ومواليد ما بعد 24 فبراير، الآن هناك أكثر من 10000 طلب للحصول على جواز السفر الروسي، قيد النظر، كما لن تكون هناك حدود بين شبه جزيرة القرم ومنطقة خيرسون التي تشكّل خطًّا دفاعيًّا في اتجاه القرم، فقد أولت القيادة الروسية اهتمامًا خاصًّا بها، وما يحدث يؤكد ذلك".
وتابعت قائلة: "جميع المدن الاستراتيجية في أوكرانيا أعلنت عن خططها للانضمام إلى الاتحاد الروسي، بعد أن فشلت سياسة إضفاء الطابع الأوكراني على السكان الذين يعيشون في منطقة خيرسون، وذلك ليس بسبب العملية العسكرية، بل منذ أكثر من 30 عامًا، إذ عاد العمل المكتبي ونظام التعليم في المناطق إلى لغتهما الروسية المعتادة".
أهمية خاصة
"ليس من أجل القرم فقط"، هكذا سرد أندريه أونتيكوف، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والمحلل السياسي الروسي، أهمية الربط الأرضي والمباشر بين القرم وخيرسون، حيث أكد أن لتلك المدينة أهمية قصوى للاقتصاد الروسي.
وأوضح أندريه أونتيكوف، خلال تصريحاته لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "عملية ربط خيرسون والجنوب الأوكراني مع القرم ستسير بوتيرة سريعة الفترة القادمة، فخيرسون مدينة ساحلية سياحية واقتصادية أيضًا فمن خلالها تستطيع موسكو تقوية وتوسيع نفوذها الاقتصادي والموارد أيضًا والتصدير؛ تمتلك خيرسون أكبر ميناء في أوكرانيا لبناء السفن في البحر الأسود، وهي مركز رئيسي للشحن".
وعن رد الفعل الغربي لانضمام مناطق الجنوب والغرب الأوكراني لروسيا، قال أونتيكوف إن الغرب لا يمتلك سوى الإدانات عبر المنابر السياسية والخطب فقط، والدليل وضع القرم، فهو تحت السيادة الروسية، والأمور تسير على ما يرام منذ سنوات، فالغرب يدرك جيدًا أن السيطرة على الأرض هي الواقع الحقيقي، وهذا ما تفعله روسيا وتهتم به.
ومن المقرر وفقًا للمعطيات أن تكون خيرسون أولى المدن التي تدخل "عملية الدمج الكبرى"، بما يجعلها مثالا لبقية المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية والحليفة لها، كما هو الحال في إقليم دونباس الشرقي.