أثارت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، مع خسارة ائتلاف الأحزاب المؤيدة لإيمانويل ماكرون "معا" للأغلبية المطلقة، وتحقيق تحالف اليسار بقيادة جون لوك ميلانشون ومتزعمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، اختراقا تاريخيا للبرلمان الفرنسي، انقساماً في آراء المهاجرين، بين مطمئن ومتخوف من المستقبل.
ووفقا للنتائج النهائية التي نشرتها لجنة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية، أصبح "الاتحاد الشعبي الاجتماعي والبيئي الجديد" وهو تحالف الأحزاب اليسارية الرئيسية، القوة السياسية الثانية في الجمعية العامة، مع 131 نائبا.
وبهذه النتيجة، نجح ميلانشون في جمع اليسار المنقسم على مدار سنوات في برنامج مشترك بوقت قياسي، وحصل على نسبة مقاعد مهمة ستجعل الكتلة اليسارية ممثلة بشكل أفضل مما كانت عليه خلال المجلس التشريعي السابق.
كما أن اليمين المتطرف بدوره أحرز تقدما مذهلا بعد أن حصل حزب الجبهة الوطنية على 89 مقعدا فيما لم يكن يتعدى عددها في عام 2017 ثمانية مقاعد، وبالتالي، سيصبح الحزب اليميني المتطرف ثالث قوة سياسية في البلاد وسيكون قادرا على التأثير في النقاش السياسي الوطني.
وقال وليد القاسمي، 35 عاما، فرنسي من أصول مغربية ومهندس معلومات في مدينة ليون، جنوب شرق البلاد، لموقع "سكاي نيوز عربية": إن السنوات الخمس المقبلة بالنسبة لماكرون ستكون مليئة بالتسويات البرلمانية التي قد لا تكون لصالح المهاجرين والعرب المقيمين في فرنسا.
وأضاف: مارين لوبان كانت ضد العديد من سياسات الهجرة وتسعى إلى تقنينها أكثر وتوعدت بالطرد وتمرير قوانين قد تمس أيضا المهاجرين الحاصلين على الجنسية الفرنسية".
ويتابع: "صوتت لصالح اليسار في الانتخابات الرئاسية والتشريعية للمساهمة في سد الباب أمام وصول اليمين المتطرف، لكن يبدو أن أصوات الفرنسيين التي تريد تغييرا جذريا في البلاد والحفاظ على ما يسمونه بـ"الهوية الفرنسية" بدأت تتصاعد أمام كل التطورات العالمية".
وكانت مرشحة حزب "الجبهة الوطنية"، قد خصصت في برنامجها الانتخابي للرئاسيات لموضوع الهجرة ملفا مؤلفا من حوالي 40 صفحة يحمل عنوان "السيطرة على الهجرة"، وضعت فيه مقترحات للدفاع عن هوية وتراث فرنسا.
ودعت من خلاله لوبان إلى إجراء تعديل دستوري، عبر تنظيم استفتاء حول المسائل الأساسية "للسيطرة على الهجرة وحماية الجنسية والهوية الفرنسية، وذلك بهدف تبنّي مشروع قانون يجرم دخول المهاجرين إلى الأراضي الفرنسية بطريقة غير شرعية.
كما تسعى إلى جعل طلب اللجوء مقتصرا على السفارات والقنصليات خارج التراب الفرنسي، والحد من إجراءات لم الشمل وتشديد شروط منح الجنسية ووضع شروط تقيّد وصول المهاجرين إلى المساعدات المادية الشهرية، كما ستعطي الأولوية للفرنسيين في سوق العمل والحصول على سكن اجتماعي.
ويبدو أن هذه السياسة المشددة التي تريد أن تنهجها لوبان بخصوص الهجرة لا تقلق الشابة التونسية، ابتسام الحاميدي (اسم مستعار)، المقيمة في مدينة باريس وتدرس علوم سياسية، التي ترى أن "هناك توازنا بين القوى في مجلس النواب الفرنسي".
وتوضح لموقع "سكاي نيوز عربية" بالقول: "أنا أنظر إلى الجزء المليء من الكأس، ميلانشون الذي ترافع عن المهاجرين والمسلمين في الإعلام الفرنسي طيلة حملة الانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية دخل البرلمان بقوة وأفقد ماكرون الغالبية المطلقة، سيكون في المعارضة ولا أظن أنه سيسمح بتمرير قوانين ضد المهاجرين الذين ساندوه بكل قوة".
وعكس مارين لوبان، دعا متزعم اليسار إلى الترحيب بالمهاجرين وتمتيعهم بكافة الحقوق ومعاملة المهاجرين غير الشرعيين بإنسانية.
أما مريم الجازولي، مغربية حصلت على الجنسية الفرنسية مؤخرا بعد أن عملت في الصفوف الأولى كمساعدة طبية في باريس خلال مرحلة الحجر الصحي بسبب وباء كورونا فتقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا شيء سيتغير مع صعود اليمين، لأن أحوال المهاجرين في الأصل سيئة".
وتستطرد: "لا أعتقد أن وصول لوبان سيئ لهذه الدرجة، فماكرون لم يهتم طيلة ولايته بالأحياء الفقيرة التي يعيش فيها العديد من المهاجرين بسبب دخلهم المحدود".
من جهته يعتقد المحلل السياسي، مصطفى طوسة في اتصال مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن دخول اليمين المتطرف بهذا الزخم إلى البرلمان الفرنسي المقبل هو "خبر سيء بالنسبة لمبدأ التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع الفرنسي وبالنسبة للمهاجرين العرب والأفارقة".
والسبب بحسب تعبيره هو "استغلال اليمين المتطرف لمنصة البرلمان لمحاولة التركيز على أوضاع المهاجرين في فرنسا وممارسة ضغوط حول ظروفهم المعيشية".
ويضيف: "فمنذ دخول اليمين المتطرف الحلبة السياسة، يرفع شعار "الأفضلية الوطنية"، وهذا من شأنه أن يكون من بين العوامل الضاغطة على المسلمين والعرب والمهاجرين عموما، لاسيما أن اليمين المتطرف يحاول أن يظهر للرأي العام الفرنسي أنه يدافع عن الفرنسيين الأصليين في مقابل الفرنسيين الوافدين أو ما يسمى عند البعض بـ"الفرنسيين بالأوراق فقط" أي ليسوا بالهوية".
وفي المقابل، يعتبر المحلل السياسي أن "اليسار حقق اختراقات ومن شأنه أن يرجح كفة الدفاع عن المهاجرين، إذ أن ميلانشون كان في حملته من بين الساسة الذين استثمروا انتخابيا ورقة الدفاع عن العرب والمسلمين والمهاجرين بصفة عامة وكافأه المهاجرون بدورهم بالتصويت له بسبب مواقفه الشجاعة".