أثار إعلان دول مجلس القطب الشمالي العزم على استئناف عملها بشكل محدود من دون مشاركة روسيا، بعد تعليق المشاركات بداية مارس الماضي احتجاجا على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، غضبا واسعا داخل موسكو.
وقالت الولايات المتحدة وكندا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والسويد في بيان مشترك، إن "الدول السبع لا تزال مقتنعة بالقيمة الدائمة لمجلس القطب الشمالي للتعاون المحيطي"، مؤكدة دعمها لهذا المنتدى وعمله المهم، و"بناء على ذلك أعلن عن اعتزام تلك الدول استئناف العمل ضمن إطار المجلس، على أن يكون ذلك مقتصرا على المشاريع التي لا تنطوي على مشاركة الاتحاد الروسي".
وردا على ذلك الإعلان، قال السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف، إن "موسكو قلقة من الخطط الرامية لاستئناف عمل مجلس القطب الشمالي من دون مشاركتها، وتحذر من أن القرارات التي ستتخذ لن تكون شرعية".
وقال أنطونوف: "بالطبع تثير مثل هذه الخطوة قلقا ليس لدى روسيا وهي رئيسة المجلس فحسب، بل ولدى المجتمع الدولي الذي يهتم بمواصلة التنمية الثابتة لهذه المنطقة. نؤكد أن هذا الشكل النادر للتعاون الدولي لا يزال يتعرض للتسييس".
وأشار الدبلوماسي إلى أن القرارات التي ستتخذ في إطار مجلس القطب الشمالي من دون مشاركة روسيا "لن تكون شرعية، وستنتهك مبدأ الإجماع المنصوص عليه في وثائقها النظامية".
كما حذر المسؤول بوزارة الخارجية الروسية رئيس لجنة كبار المسؤولين في مجلس القطب الشمالي نيكولاي كورشونوف، من أن التوقف في أعمال المجلس "سيؤدي إلى حقيقة مفادها أن مخاطر الأمن في المنطقة القطبية الشمالية ستزداد".
ساحة حرب
وحول النزاع الدائر في مجلس القطب الشمالي، قال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية ليون رادسيوسيني، إن التوترات حول هذه المنطقة "ليست وليدة حرب أوكرانيا بل تتصاعد منذ سنوات. هناك صراع حول الحصص في مسارات الشحن واحتياطيات الطاقة".
وأضاف رادسيوسيني في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "ينظر للقطب الشمالي باعتباره أضخم احتياطي غير مكتشف للنفط والغاز في العالم، فضلا عن تقديرات تريليونية كقيمة المعادن التي تتصارع عليها ليس فقط الدول المتشاطئة والمتداخلة، بل والبعيدة عن القطب".
وأوضح أنه "مع تحول النظام الجيوسياسي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، يتوقع أن تشتد المنافسة على السيادة والموارد في القطب الشمالي، خاصة بعد طلب فنلندا والسويد الانضمام للناتو".
ولفت المحلل إلى أن منطقة القطب الشمالي تقترب أن تتحول إلى ساحة حرب دولية، بعد تخلي هلسنكي وستوكهولم عن سياسة الحياد التي انتهجتاها لعقود، و"على الولايات المتحدة الاستعداد لمساعدة حلفائها في شمال أوروبا الذين يشتركون في مستقبل غامض مع روسيا في الممرات المائية بالقطب الشمالي".
مجلس القطب الشمالي
وفي عام 1989، بدأت 8 دول في القطب الشمالي (كندا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج والاتحاد السوفيتي والسويد والولايات المتحدة) العمل على استراتيجية لحماية البيئة في القطب الشمالي، سميت بـ"المبادرة الفنلندية"، وصدقت روسيا (بدلا من الاتحاد السوفيتي) على الوثيقة عام 1991.
وفي عام 1996 تأسس مجلس القطب الشمالي بهدف التعاون في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة للمناطق القطبية، ويتكون من الدول الثمانية، فضلا عن منظمات تمثل السكان الأصليين في القطب و13 دولة بصفة مراقب، من بينها الصين.
ويركز مجلس القطب الشمالي على التعاون بين الدول، ويهدف إلى تجنب المسائل موضع الخلاف منذ إنشائه، ولا تشمل اختصاصات المجلس الأمن العسكري، كما لا يمتلك أي صلاحية قانونية، علما أنه كان هناك اقتراح بتوحيد دفاعات بلدان الشمال وسياساتها الخارجية وبقائها محايدة في حالة النزاع، وألا تكون حليفة للناتو.
ويبلغ عدد سكان المنطقة القطبية حوالي 4 ملايين نسمة، بما في ذلك حوالي 500 ألف من السكان الأصليين: الإينوي (الإسكيمو)، وقومية سامي (اللابيون) وشعب ياكوت (ساخا) وشعوب صغيرة في شمال روسيا.
ومع بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا 24 فبراير الماضي، دانت دول مجلس القطب الشمالي الهجوم واصفة إياه بأنه "غير مبرر".
ووفق بيان مشترك آنذاك، فإنه "في ضوء انتهاك روسيا الصارخ لهذه مبادئ، لن يسافر ممثلونا إلى روسيا لحضور اجتماعات مجلس القطب الشمالي، بالإضافة إلى ذلك، توقف دولنا مؤقتا المشاركة في جميع اجتماعات المجلس وهيئاته الفرعية، في انتظار النظر في الأساليب الضرورية التي يمكن أن تسمح لنا بمواصلة عمل المجلس المهم في ضوء الظروف الحالية".