تتوالى فصول الأزمات التي تخلفها الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من فرض لعقوبات غربية وأطلسية على روسيا، حيث تكاد تضرب تداعيات هذه الحرب والعقوبات مختلف القطاعات والمناحي الاقتصادية والأمنية والسياسية وحتى البيئية حول العالم، والتي تعد أخطر وأكبر أزمة دولية منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي أحدث هذه التداعيات، أزمة تلوث بيئي خطير في بحر البلطيق، وفق وسائل إعلامية في بولندا، حظرت وزارة الداخلية البولندية في نهاية شهر أبريل الماضي عمل 35 شركة تعتقد وارسو أنها مرتبطة بالمال الروسي، من بينها شركات عاملة في مجال تنظيف ونقل مياه الصرف الصحي، التي تستخدم خدماتها المئات من المؤسسات البولندية.
وتعمل هذه الشركات للمعالجة في العديد من المدن والمؤسسات دون توقف منذ أكثر من عقد، ويهدد تعطلها المفاجئ بتلويث مياه بحر البلطيق، وفق مصادر من داخل الشركة المحظورة العمل، حيث يتم في حال العطل تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى جهاز استقبال أي في نهر أو بحيرة أو بحر.
وتعليقا على مدى خطورة ما يحدث على سلامة البيئة البحرية في البلطيق، يقول أيمن قدوري الخبير البيئي وعضو الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة، في حوار مع "سكاي نيوز عربية": "صنف بحر البلطيق كأكثر بحار العالم تلوثا بسبب موقعه الذي يضعه في خانة البحار شبه المغلقة، محاطا بدول أوروبا الوسطى والشمالية و الشرقية، بسبب الضغط البشري المتزامن مع الاحترار العالمي المتسارع، فعانى بحر البلطيق من ارتفاع في تراكيز ملوثاته الأمر الذي أدى لارتفاع درجة حموضته، ما قاد لاستنزاف الأوكسجين الضروري لاستدامة النظام البيئي للأحياء البحرية، بالأخص الأحياء الدقيقة".
ويضيف الخبير البيئي: "اشتهر بحر البلطيق بسواحل تغطيها طبقات من المخلفات البلاستيكية القادمة من العديد من الدول الأوروبية، التي تعتبر بحر البلطيق بمثابة مكب نفايات، متجاهلة أهمية حماية البيئة البحرية، بالرغم من قلة الأصناف البحرية فيه مقارنة بمسطحات العالم المائية، لاستدامة النظام البيئي بشكل عام كون البيئة البحرية المائية تستقر في قاعدة الهرم الغذائي وباعتبارها أساس النظم البيئية المتقدمة".
ويتابع قدوري شرح مدى الخطر المحدق ببيئة البلطيق، قائلا :"شكل النشاط الروسي قبل الحرب الروسية الأوكرانية، علامة فارقة في مستقبل هذا المسطح المائي الضحل نسبيا، حيث عملت الشركات الروسية المعنية بمجال تنظيف مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي على استصلاحه واعادة جزء من توازن البيئة البحرية للبلطيق، إلا أن الحرب وما رافقها من حظر وعقوبات على الروس في كافة المجالات أدت لانتكاسة كبيرة للواقع البيئي لبحر البلطيق، حيث وبحسب دراسة علمية روسية فإن عرقلة وتوقف أعمال تنظيف مياه الصرف الصحي وازالة المخلفات البلاستيكية من شواطئ البحر، ستؤدي لتراكم محطمات الأوكسجين، وبالتالي تؤدي إلى تناقص الرقم الهيدروجيني نحو مستويات تدميرية للأحياء الدقيقة من العوالق وغيرها، ما ينتج عنه انعدام الغذاء للأنواع البحرية الأرقى".
ومن ضمن بلدان البلطيق، يقول الخبير البيئي: "تعتبر بولندا الدولة الأكثر طرحا للمخلفات السائلة في مياه البحر، لذا بات واجبا عليها ايجاد بديل عن روسيا والتي كانت منشآتها تعالج المياه الثقيلة البولندية للحفاظ على بحر البلطيق من التحول لبؤرة لتصريف المياه الثقيلة ومكب لنفايات البلاستيك".
من جهتها تقول الباحثة الروسية والخبيرة في العلاقات الأوروبية لانا بدفان، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: "الخبراء يؤكدون أن هذه الإجراءات البولندية تحت يافطة معاقبة روسيا، ستقود لكوارث بيئية في بحر البلطيق، حيث أن هذه الشركة المحظورة كانت تتولى مهمة معالجة مياه الصرف الصحي في مختلف المدن البولندية مثل زاموسك وغيلين وغيلتشي ولوبلين وكاركوف، وهي لا تقوم فقط بتركيب وصيانة المضخات والخلاطات والمنافخ وأنظمة التهوية وغير ذلك من أجهزة، لكنها تقوم كذلك بمعالجة وتنقية مياه الشرب".
وتابعت: "ومع تعطل خدماتها ومعداتها خاصة مع عجزها عن الحصول على قطع غيارها من روسيا كونها من صنع روسي، بسبب العقوبات المفروضة على موسكو فإن ثمة تهديدا حقيقيا ومباشرا لصحة الناس وسلامتهم في بولندا، وفي مختلف الدول المتشاطئة لبحر البلطيق وخاصة في المناطق والمدن الساحلية".
فهذه الكارثة البيئية، تضيف الباحثة الروسية هي: "مؤشر إضافي إلى حجم الأضرار والأزمات التي تخلفها سياسة العقوبات الغربية والأطلسية على روسيا، والتي تطال تأثيراتها وتداعياتها الكارثية بالدرجة الأولى العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي نفسها وليس روسيا فقط، كما نشاهد مع هذه الأزمة التي تهدد بتلويث بحر البلطيق بمياه الصرف الصحي".