لأسباب اقتصادية في المقام الأول، يتوقع خبراء بأن سويسرا قادرة على التمسك بسياسة الحياد تجاه الصراع الدائر بين الغرب وروسيا، ودون خشية من أن يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطا عليها للتخلي عن هذه السياسة.
ووفق أستاذ الفلسفة السياسية رامي العلي، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، فإن الاقتصاد السويسري قائم على سياسة الحياد التي تجعل بنوكها مفتوحة دائما لتلقي أموال كل الأطراف في أي صراع، وتجعل هذه الأطراف حريصة على حماية أراضي سويسرا من أن تنتقل إليها ألسنة الحروب؛ خوفا على هذه الودائع، إضافة لاعتبار سويسرا ملجأ للأثرياء خلال الصراعات.
ورغم ما سببته الحرب الروسية في أوكرانيا من تغير سياسات دول أوروبية، مثل تنازل ألمانيا عن استراتيجيتها الدفاعية المتحفظة بتقديم أسلحة لأوكرانيا، وتخلت الدنمارك والسويد وفنلندا عن سياسة الحياد بطلب الانضمام لسياسة أوروبا الدفاعية وحلف الناتو، فإن سويسرا تتمسك بحيادها.
وأعلنت الحكومة السويسرية منذ ساعات حظر نقل معدات حربية تصنعها إلى أوكرانيا عبر دول ثالثة، ردا على طلبات ألمانيا والدنمارك بشأن إرسال أسلحة إلى كييف.
وطلبت برلين 12400 قطعة ذخيرة من عيار "35 ملم" سويسرية الصنع للدبابات المضادة للطائرات من نوع "غيبارد" ودبابات "بيرانا 3" اشترتها من الدنمارك، وطلبت كوبنهاغن توريد 22 دبابة "بيرانا 3" سويسرية الصنع.
وبررت الحكومة السويسرية رفضها، بأنه لا يمكن تصدير معدات حربية لأوكرانيا بسبب المعاملة المتساوية الناتجة عن قانون الحياد.
قانون ثابت
وسبق أن رفضت أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، في مايو، تسليم ذخائر سويسرية عبر ألمانيا، خاصة أن الذخيرة ترتبط بالمركبات القتالية المدرعة من طراز "ماردر" ألمانية الصنع.
والقانون السويسري المعترف به دوليا ينص على منع تصدير أسلحة إلى دول تعيش في صراعات دولية أو داخلية، ويشدد في صفقات بيع الأسلحة على "عدم إعادة تصدير هذه المعدات" إلا عبر موافقة أمانة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية.
ويعود تاريخ حياد سويسرا إلى عام 1815، بعد تعهدها بعدم الانخراط في أي نزاع وعدم تقديم أي أسلحة أو جنود للمشاركة في أي حرب، أو الانحياز لأي طرف، ومن وقتها أصبح مبدأ "الحياد" أساس سياسة سويسرا.
الاقتصاد سبب الحياد
وفي تقدير رامي العلي، فإن موقف سويسرا متوقع؛ فهي لم تشارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبقيت محايدة حتى إنها ضمت حسابات للنازيين في بنوكها.
وينبه إلى أن وضعها مختلف عن الدول التي تعلن تخليها عن الحياد، مثل السويد وفنلندا والنمسا؛ نظرا لأن هذه الدول تعتمد الحياد كمصلحة أمنية كي لا تصبح في مهب الخطر، أما سويسرا فتعتمد الحياد في تحقيق عائد مادي؛ كونها مركز تجمع الثروات وتضم أكبر بنوك بالعالم.
ويضيف: "في حال قررت سويسرا الانحياز لطرف على حساب الآخر سيؤدي إلى خسائر كبيرة وسحب الإيداعات من البنوك السويسرية الأمر الذي يهدد اقتصادها".
وفي هذا يلفت العلي إلى أن كثيرا من الأغنياء الروس موجودون في سويسرا، ولديهم حسابات ببنوكها؛ ما يمثل خطورة لسحب هذه الأموال في حال اتخاذ برن موقف غير محايد.
وعن موقف الاتحاد الأوروبي إزاء الموقف السويسري، يقول العلي إن سويسرا ليست عضوة بالاتحاد، فرفضها السير في موكبه ضد روسيا لا يعني انقساما جديدا داخله، ولا يؤثر على موقف الغرب المناهض لموسكو؛ ولذا نجد أن دول الاتحاد لم تمارس ضغوطا على سويسرا للتخلي عن حيادها.