لا تقف حدود الصراع بين روسيا والغرب على النفوذ والمصالح، عند نقاط التماس الملتهبة بينهما في أوكرانيا وشرق أوروبا فقط، بل تمتد إلى نقاط جغرافية أبعد في العالم، بحسب خبراء.

في هذا السياق، يشير متابعون سعي روسي للانفتاح أكثر على بلدان القارة الإفريقية وتوسيع شبكة المصالح المشتركة معها، في إطار محاولات روسيا لتطويق الحصار الغربي عليها، وفي هذا السياق جرت قمة روسية إفريقية، الجمعة في مدينة سوتشي الروسية.

ووصل لروسيا الرئيس السنغالي ماكي سال، والذي يشغل كذلك منصب رئيس الاتحاد الإفريقي للعام 2022، إثر انتخابه في شهر فبراير الماضي، خلال انعقاد الدورة 35 للاتحاد الإفريقي، ليلتقي نظيره الروسي، فلاديمير بوتن.

وقال بوتن عقب اجتماعه مع سال : "أود أن أذكر أن بلدنا كان دائما إلى جانب إفريقيا، ودعمها في الحرب ضد الاستعمار، نحن في مرحلة جديدة من التطور ونولي أهمية لعلاقاتنا مع البلدان الإفريقية".

لافروف: روسيا تحاول تأمين إمدادات الغذاء العالمية

وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا زاد بنسبة تجاوزت 34 في المئة منذ بداية العام الحالي.

من ناحيته، أكد رئيس الاتحاد الإفريقي أن العقوبات المفروضة على روسيا حرمت البلدان الإفريقية من الحصول على الحبوب والأسمدة، الأمر الذي فاقم مشكلة الأمن الغذائي في إفريقيا.

وأضاف "لقد زادت العقوبات المفروضة على روسيا المعاناة وجعلت الأوضاع أكثر سوءا، لأننا لم نعد قادرين على الحصول على الحبوب، خاصة القمح الروسي، والأهم من ذلك، الأسمدة، وهو ما يشكل تهديدا خطيرا للأمن الغذائي في قارتنا".

وفي وقت لاحق، أعلن سال الجمعة أنه خرج "مطمئنا" من اللقاء مع بوتن، وقال للصحافيين: "نخرج من هنا مطمئنين جدا ومسرورين جدا بمحادثاتنا" مضيفا أنه وجد الرئيس الروسي "ملتزما ومدركا أن أزمة العقوبات تتسبب بمشاكل خطيرة للاقتصادات الضعيفة مثل الاقتصادات الإفريقية".

أخبار ذات صلة

بايدن يحمل روسيا مسؤولية ارتفاع الأسعار وتعطل إمدادات القمح

وشدد سال خلال اللقاء على أن الدول الإفريقية تعاني من تداعيات الحرب بأوكرانيا رغم أن "غالبية الدول الأفريقية تجنبت إدانة روسيا" خلال التصويت في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وأنهم مع "آسيا والشرق الأوسط وكذلك أميركا اللاتينية، فضل قسم كبير من البشرية البقاء بمنأى عن هذا النزاع".

وقال إن الاضطرابات التي تعصف بالأمن الغذائي الإفريقي والعالمي وسلاسل التوريد الناجمة عن الحرب، تفاقمت بسبب العقوبات الغربية التي تؤثر على الشبكات اللوجستية والتجارية والمالية لروسيا، داعيا لإخراج القطاع الغذائي من إطار العقوبات التي يفرضها الغرب على موسكو.

ويرى مراقبون أن حظوظ نجاح المسعى الروسي لتقوية دور موسكو وحضورها على الساحة الإفريقية في ظل التجاذبات والاصطفافات الحادة دوليا على وقع أزمة أوكرانيا، تبدو قوية بالنظر إلى اتساع نطاق مجالات وأطر التعاون والتبادل بين الجانبين، والتي ترفدها الخلفيات التاريخية للدور الروسي الفاعل في القارة السمراء، والعلاقات المتينة والتقليدية التي كانت تربط الاتحاد السوفييتي السابق بالعديد من بلدان قارة إفريقيا.

ويشير المتابعون أيضا إلى أن إفريقيا تعاني فعلا من مشكلات وأزمات حادة ومركبة سياسية وتنموية وأمنية، لكنها تبقى حبلى بالفرص الواعدة بما تملكه من طاقات بشرية وطبيعية كبيرة، وبموقعها الجيو استراتيجي الحيوي وسط قارات العالم ومناطقه.

ماكي سال: إفريقيا ضحية الأزمة رغم بعدها عن النزاع

 العيون على إفريقيا

وتعليقا على مغزى تصاعد وتيرة الغزل الروسي الإفريقي وانعكاساته على الأزمة الأوكرانية ومشهد التنافس المحموم والمواجهة بين روسيا ودول الغرب، يقول محمد صالح الحربي الباحث بالعلاقات الدولية والخبير الاستراتيجي والأمني، في حديث مع "سكاي نيوز عربية" :"إفريقيا قارة مهمة للغاية، بدون شك، والكل عينه على إفريقيا، كونها قلب العالم، وهنا لنتذكر فقط مقولة لبن غوريون الذي كان يقول، إن الطريق إلى إفريقيا هو الطريق إلى العالم".

وعن مقدمات وخلفيات هذا الحضور الروسي المتزايد في القارة الإفريقية، يقول الخبير الاستراتيجي: "نفوذ موسكو وحضورها يتزايدان في إفريقيا بشكل مضطرد ولافت منذ العام 2014، وخصوصا بعد السيطرة على شبه جزيرة القرم، والتي فجرت أزمة كادت تتطور لحرب آنذاك شبيهة بالدائرة الآن منذ نحو 4 أشهر بين موسكو وكييف، ويلاحظ بصفة عامة خلال العقد الماضي كيف أن النفوذ والتغلغل الروسيين مباشرة وبصورة غير مباشرة في إفريقيا، شكلا علامة فارقة في مشهد العلاقات الدولية وتنافس اللاعبين الكبار على مناطق النفوذ والسيطرة".

ومع تزايد الحديث على وقع الحرب الأوكرانية عن أزمة الغذاء الخانقة وخطر حدوث المجاعات، كما يشرح الحربي،"فإن القارة الإفريقية بما تتمتع به من كفاءات وأيد عاملة ماهرة ومساحات شاسعة وأراض خصبة صالحة لتطوير الزراعة والاستثمار في مختلف قطاعاتها الانتاجية والصناعية، يمكنها لعب دور مهم في تجنيب العالم شبح استفحال أزماته الحالية أكثر مما هو حاصل، وهي تكاد تكون سلة غذاء للعالم كله لو تم توظيف قدراتها وثرواتها بالشكل الصحيح والمثمر، علاوة على ما تتمتع به من موقع بالغ الأهمية الجيوسياسية كثاني أكبر قارات العالم من بعد قارة آسيا سكانا ومساحة، فهي تطل على محيطات وبحار ومضائق مائية استراتيجية”.

يضيف الحربي "الآن، ستتدفق الاستثمارات الدولية من مختلف مناطق العالم نحو إفريقيا، التي ستتحول لمنطقة جذب في ظل الأزمة الغذائية الخانقة التي خلفتها الحرب الروسية والأوكرانية، ولتعويض النقص الفادح الحاصل في منتوجات ومخزونات السلع الغذائية الاستراتيجية عالميا، لا سيما الحبوب والغلال، مما يهدد مباشرة الأمن الغذائي العالمي، وهذه التوجهات الروسية تندرج بطبيعة الحال في هذه السياقات”.

أخبار ذات صلة

مصر وإفريقيا.. عمق استراتيجي من عبد الناصر إلى السيسي
بوتن يشترط.. الغذاء ورقة موسكو الرابحة لكسر عقوبات الغرب

وكان الكرملين قد ذكر قبل بدء المحادثات بين الزعيمين الروسي والإفريقي، أنها ستتضمن قضايا التفاعل والتعاون الاقتصادي والإنساني بين روسيا والدول الإفريقية، وستشمل المحادثات قضايا توريد الأسمدة والحبوب والمواد الغذائية .

ووفق الكرملين، شارك أيضا في المباحثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ورئيس الاتحاد الإفريقي، رئيس السنغال ماكي سال، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، قد هنأ رؤساء الدول والحكومات الإفريقية بمناسبة يوم إفريقيا في 25 مايو الماضي، مؤكدا تقدير روسيا لعلاقات الصداقة التاريخية التي تربطها بالشركاء الأفارقة.

وعبر بوتن عن تقدير روسيا لعلاقات الصداقة التقليدية مع الشركاء الأفارقة، مؤكدا دعم موسكو الثابت لجهودهم الرامية إلى حل النزاعات المحلية، ومكافحة الإرهاب والتطرف وتهريب المخدرات والأمراض الوبائية وغيرها من التحديات المشتركة المهددة للأمنين الإقليمي والعالمي.

وكانت آخر قمة روسية إفريقية قد عقدت في أكتوبر من العام 2019 في مدينة سوتشي الروسية، وترأسها آنذاك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتن.